ربما تمثل تجربة العمل العربي في الخليج أهم مشروع عربي للتعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في التاريخ العربي المعاصر، وهي تجربة يغلب عليها الطابع الاقتصادي وتدير نفسها وفق قواعد السوق، ولكنها تجربة أسهمت في بناء شبكة عربية قوية من العلاقات والمنافع المتبادلة، وقدمت دول الخليج للعالم العربي والإسلامي خدمات كبيرة سواء في المشاركة الاقتصادية أو في المساعدات والتبرعات، وفي رعاية الثقافة العربية، ولا شك أن الحالة الثقافية وكثيرا من الإنجازات والجوائز تدين للمبادرات والمؤسسات الخليجية.
ولكن هذه الحالة واجهت تحديات عدة تحتاج إلى توقف ومراجعة، أولاها بالطبع أزمة الخليج التي تشكلت عام 1990 وأنشأت شرخا لم يتم إصلاحه نهائيا، وإن استدركت الدول والمجتمعات العربية هذه المحنة، ولكن من المؤكد أن الحالة العربية في الخليج بعد عام 1990 هي أقل شأنا بكثير مما كانت قبل ذلك، وأدت الخصخصة والاتجاه إلى اقتصاد السوق في دول الخليج إلى تفضيل العمالة الآسيوية الأقل تكلفة، في حين اتجهت الدوائر والمؤسسات الرسمية والحكومية الخليجية لتوطين الأعمال والوظائف فيها، وهو أمر طبيعي وحتمي وبخاصة مع نمو التعليم في دول الخليج، وظهور طبقة واسعة من المتعلمين والجامعيين الخليجيين الذين تلقوا أفضل الفرص للتعليم والتأهيل في الجامعات الغربية والخليجية والعربية أيضا، ولذلك فقد تراجعت كثيرا حصة العرب في الوظائف والأعمال الخليجية، وإن بقي الخليج العربي أهم مصادر العمل والتحويلات المالية إلى دول عربية عدة.
ومع صعود العولمة واللغة الإنجليزية في الأعمال فقد دخلت إلى السوق الخليجية كفاءات وأعمال، سواء في الخليج أو عن بعد لم يكن للعرب حصة كبيرة فيها، بل أحرزت الهند والدول الغربية الحصة الكبرى، وكانت هذه المجالات أكثر فائدة وأهمية ومجزية ماليا أكثر مما سواها من الأعمال التقليدية التي كانت سائدة من قبل، وهنا يقع اللوم على الدول العربية التي لم تطور كفاءاتها وتؤهل المهنيين من أبنائها للمشاركة في السوق العالمية. تستطيع الدول العربية بمجموعة من المبادرات والمبادئ والعمل المشترك أن تحقق مصالحها المشتركة، فالدول الخليجية بحاجة للعمالة العربية والأجنبية بحكم اقتصادها الكبير الذي ينشئ أعمالا كثيرة تفوق بأضعاف عدة القدرة السكانية على استيعابها، والدول العربية بحاجة إلى الأسواق الخليجية لتشغيل العمالة الفائضة لديها والمشاركة في الفرص والأسواق الاقتصادية الكبيرة في الخليج، وما هو مطلوب من الحكومات والمجتمعات والأسواق هو إعادة فهم لحراك الأسواق والخريطة الجديدة للأعمال، والتركيز على الأعمال والفرص الناشئة في القطاع الخاص الخليجي، وتأهيل الكفاءات وفق قواعد واحتياجات هذه السوق المختلفة إلى حد كبير عن الأعمال الحكومية.
العمل والجودة يشكلان اليوم الجزء الرئيسي من الأسواق في مرحلة اقتصاد المعرفة، وهذا ما يجب إدراكه بوضوح.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد