أعود للقراء الكرام من معركة الانتخابات النيابية متشوقا لملاقاتهم بمقالي اليومي وهو على الأرجح لن يستمر يوميا، بسبب المسؤوليات الجديدة، لكن طقوس تلقي التهاني ثم عطلة العيد وواجبات اجتماعية أخرى أخّرتني، ومر الوقت الكافي لأنفض غبار المعركة وأغادر شعور الفارس العائد بالنصر الى شعور المقاتل الذاهب الى معركة لم تبدأ بعد. فقد خضنا معركة التغيير وظفرنا به، لكنه حتّى الآن تغيير على مستوى الأشخاص يجب ان يترجم بتغيير على مستوى المؤسسات والسياسات والأداء ابتداء بأداء النواب والمجلس النيابي نفسه.
على المستوى الشخصي خضت معركة التغيير للمقعد النيابي في دائرتي الانتخابية (المقعد المسيحي في دائرة اربد الثانية- بني عبيد)، لكن قضيتي كسياسي وإعلامي يحمل أفكار ومشروع الاصلاح منذ سنوات هي التغيير على المستوى العام، وكان الخبر السار مع فوزي بالمقعد أن المحصلة الاجمالية لانتخابات مجلس النواب الأردني هي انتصار التغيير، فقد تمّ تجديد مجلس النواب بنسبة الثلثين تقريبا، والمسألة طبعا ليست شخصية فلعلّ نوابا جيدين من السابق خسروا مقاعدهم والعكس صحيح، لكن الرسالة السياسية المؤكدة هي أن الشعب انحاز للتغيير، وهو ما ينسجم تماما مع الموقف الشعبي الذي لاقى قرار جلالة الملك بحلّ المجلس النيابي السابق وإجراء انتخابات جديدة بالتهليل والترحيب.
الذي كان سائدا حتّى الآن هو نمط نائب الواسطة والمحسوبية والخدمات الشخصية والمصالح الفردية والشللية واستثمار الموقع لتحقيق المنافع والامتيازات، وقد اصبحت لعبة السلطة والنفوذ بذاتها هدفا وقد اصبح هذا مبتدأ وخبر التعاطي مع الشأن العام.
كل هذا كان يجب ان يتغيّر من أجل تأثير مختلف على السياسات والتشريعات ينطلق من مصلحة المواطنين والوطن. وأثناء حملتي الانتخابية رفعت شعارا واحدا هو "التغيير"، وكان الشعار مفهوما تماما للجمهور؛ لكن البعض كان يطلب توضيحا حول أولويات التغيير، فكنت أقول نبدأ بالنواب والمجلس النيابي نفسه، يجب أن ينتهي زمن المنافع والامتيازات غير المشروعة والمحسوبيات، ويجب ادخال تغييرات على النظام الداخلي لمجلس النواب تحقق انقلابا جوهريا في أداء المجلس، ويجب وضع مدونة سلوك تضبط أداء النواب، وإنني متشوق للدخول فورا في عملية الاصلاح التي طالما كتبت فيها وشاركت في تقديم الأفكار والمقترحات حولها. طبعا الاصلاح على هذا المحور لا يتمّ بمعزل عن المحاور الأخرى، فلا يمكن مثلا مكافحة الواسطة والمحسوبية نيابيا الا كجزء من مشروع متكامل على المستوى الوطني.
الشعب ينتظر الكثير من هذا المجلس وأكاد أغامر بالقول إنه المحطّة الثانية الفاصلة بعد انتخابات 1989. ولعل المتابع لمنحنى التدهور النيابي على مدار السنين الفائتة وتعثر قضية الاصلاح يعرف مغزى التغيير الذي حصل. وآمل بل يجب أن يعي ذلك على وجه الخصوص الزملاء الجدد الفائزون في المجلس السادس عشر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة