لا نقصد إقفالها في الجانب الفنّي والقانوني، فهناك لجنة تحقيق تتابع عملها والتحقيق ونتائجه سيكونان تحت أنظار الجميع، بمن في ذلك النواب الذين اجتمعوا أمس من خلال لجنتي التوجيه الوطني والحريات واستمعوا الى وزير الداخلية وشدّدوا على ضمان تحقيق نزيه وشفّاف يقود الى الحقيقة.
الحقيقة مهما كانت لن تبرر إخراج القضية من إطارها وتضخيمها وزجّها في أتون السجال القديم المتجدد حول الهوية والمواطنة والتمييز والتمايز على خلفية المنابت والأصول. وقد يكون الدرك أخطأ في التدخل أو أفرط في استخدام القوّة وربما كان هناك سوء في التقدير في إدارة القرار في الميدان، وهذا ما سيقرره التحقيق؛ لكن هل هذه المشكلة مع الدرك وقعت فقط مع جمهور الوحدات؟ ماذا عن السلط وعجلون وعمّال ميناء العقبة ومناسبات أخرى اتهم فيها الدرك بالإفراط والقسوة! إذن فلنضبط القضية عند هذا الحدّ فقط.
في مقالي السابق وبعد مشاهدتي شريط الجزيرة المتكرر أثناء التقارير الإخبارية، قلت وجهة نظر فنّية منزهة عن التحيز السياسي أنني لم الحظ القسوة ومسؤولية الدرك عن تدافع الجمهور نحو الشبك أسفل المدرج، فتلقيت فيضا من التعليقات الهجومية، وفي مناسبات أخرى يقود مثل هذا الرأي عن الدرك أو الشرطة الى اتهامات بالتزلف للسلطة، وهذا مألوف ومحتمل لكن في هذه المناسبة فان التهمة أسوأ الف مرّة وهي غير مقبولة وغير محتملة، وهذا البعد السيئ والتقسيمي في تداعيات القضية يدعونا لإقفال النقاش الذي لا يفيد سوى في فتح الباب لمزيد من التأجيج وخصوصا في ساحة التعليقات على المواقع الالكترونية.
وأمس في الاجتماع المشترك للجنتي التوجيه الوطني والحريات في مجلس النواب برئاسة رئيس المجلس وحضور جميع النواب الذين كانوا شهودا أو تابعوا القضية ميدانيا، سمعنا آراء متباينة حول ماحصل في الميدان، لكن كان هناك اجماع وطني حاسم على رفض إخراج القضية عن حجمها الحقيقي كحادثة ملاعب ورفض التضخيم وإثارة المشاعر والنفخ عبر وسائل الإعلام على نار الفرقة والانقسام، وأجمع الحضور على رفض وإدانة التصريحات والتعليقات التي ذهبت بهذا الاتجاه في نفس الوقت الذي أكّدوا فيه على ضرورة وصول التحقيق إلى نتائج واضحة تسمح بالمساءلة والمحاسبة على أية أخطاء أو تجاوزات.
وضع القضية في إطارها وحجمها المحدد الذي تستحقه وإقفال النقاش حولها ليس دفنا للرؤوس في الرمال أو قمعا للحوار، لكن ليست الملاعب الرياضية والرعونة المعروفة في السلوك والشعارات على المدرجات وامتداداتها في التعليقات على المواقع الالكترونية هي التوقيت أو البيئة المناسبة لفتح الحوار حول القضايا الحسّاسّة. في هذا الوقت يستحسن إبعاد الزيت عن النار فقط.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة