ظلت مدرسة فارا (الهاشمية) منذ تأسيسها في العشرينيات حتى عام 1956 تدرّس للرابع الابتدائي، وكان أبناء البلدة يغادرون المدرسة بعد ذلك للعمل في الزراعة، ثم بدأوا يتجهون إلى الجيش والأمن، وفي أحد مجالس القرية كان محمود الغرايبة الفتى الذي تخرج من المدرسة وبدأ العمل في الزراعة يشارك في المجلس، وطرح موضوع استئناف الدراسة فبكى من التأثر، واستنفر الآباء والمشاركون في الجلسة أنفسهم في اليوم التالي لتطوير المدرسة، وتعهدوا بمشاركة وزارة المعارف بدفع رواتب المعلمين الإضافيين للمدرسة، واستقرضوا من تجار نابلس 150 دينارا، وعاد الفتيان لاستئناف دراستهم، وتشكلت من الطلاب الذين واصلوا دراستهم أول مجموعة من المعلمين من أبناء البلدة، الذين بدأوا التدريس في المدرسة نفسها منذ أوائل الستينيات، ولتبدأ بعد ذلك تتدفق أفواج الطلاب من خريجي الثانوية ليكمل بعضهم الدراسة الجامعية أو في المعاهد والكليات، وفي منتصف السبعينيات كان الشيخ علي الفقير أول أبناء القرية الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه، وتوالت بعد ذلك أفواج الأساتذة والأطباء والمهندسين والجامعيين في سائر التخصصات، وقبل أيام قليلة حصلت مريم غرايبة على الدكتوراه، لتكون أول سيدة من البلدة تنال الدكتوراه.
أتيح لنا أبناء البلدة أن ندرس في مدرسة ناجحة ورائدة تعلمنا فيها الكثير، وكانت وما تزال تحصل على موقع متقدم في مدارس المملكة في نسبة النجاح والتفوق، وبفضلها حصل حوالي ألفين من أبناء البلدة (البالغ عدد سكانها حوالي 11 ألف نسمة) على الدراسة الجامعية، وأعتقد أن هذا الإنجاز الكبير تحقق بعاملين رئيسيين؛ أحدهما مشاركة أهل البلدة ووعيهم وحماسهم، واشتغال مجموعة من أبنائها المتفوقين والمميزين بالتدريس في المدرسة.
في منتصف السبعينيات عندما تحولت المدرسة إلى ثانوية، أقيم مبنى جديد للمدرسة بتكلفة مقدارها 54 ألف دينار، جمع أهالي البلدة نصف المبلغ، والنصف الآخر قدمته وزارة التربية والتعليم.
وكان الأساتذة أكثر من أساتذة أو موظفين، لقد كانوا وما يزالون إخوة كبارا، كنا حريصين على كسب ثقتهم، وكانوا يمنحوننا دافعا للاجتهاد والالتزام، وما أزال أشعر بخجل وأسف كبير كلما أتذكر أني خذلتهم، فقد كانوا يسعدون ويفرحون كثيرا بنجاحنا وتفوقنا، وكان يحزنهم تقصيرنا وفشلنا، وما أزال حتى اليوم أتذكرهم كلما أصبت أو أخطأت ، فأشعر بزهو لاعتقادي بأنهم سيفرحون، أو بخجل شديد لاعتقادي أنهم سيشعرون بخيبة أمل. كيف تكون مدارسنا في قلب المجتمعات؟ كيف تكون المجتمعات في قلب المدارس؟ كيف يظل التعليم رسالة نبيلة؟ هذا الأسلوب "الزبائني" بتحويل التعليم إلى سلعة أو خدمة طرفاها مورد ومستهلك لم يمنح التعليم جودة إضافية، بل العكس هو ما حصل

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد