وزير التربية يدعو إلى أن تكون المدرسة مكانا جاذبا للطلاب، ورئيس الوزراء يدعو إلى مكافحة الفساد والمحسوبية والشفافية (الشفافية أيضا موضة حلوة). والمديرون يدعون رؤساء الأقسام والزملاء إلى تحسين حياة المواطنين، ولماذا لا يدعو رئيس قسم الفهرسة في مكتبة راس الطويل زميله الوحيد في القسم إلى العمل على رفع مستوى النمو الاقتصادي وكبح جماح التضخم؟ وأبو وهدان يستطيع أيضا أن يزور مزرعته ويجمع العمال الوافدين في المزرعة ويدعو إلى التنمية والإصلاح، ويمكن أن ينشر خبر زيارته ودعوته على موقعه في الإنترنت ويصل بالإيميل إلى عشرات الآلاف من الناس، ويمكن أيضا أن تبثه وكالات الأنباء والصحف.
من المدعو ببيان معالي الوزير إلى تحسين مستوى المدرسة؟ ومن المقصود بدعوة دولة الرئيس إلى مكافحة الفساد والمحسوبية؟ هل تعتقد الحكومة الرشيدة أن وظيفتها هي "الدعوة"؟
طيب وأنا ممكن أدعو إلى كل هذه الأشياء وأريحهم من العبء الكبير الذي يرزحون تحته، كان الله في عونهم، يمكن ان يعيّن المواطنون أحد المزارعين الثلاثمائة في حديقة الإذاعة والتلفزيون للدعوة، ويريح الحكومة والدوائر، هل يعتقد دولته ومعاليهم أن مشكلة المواطنين هي نقص في الذكاء والمعرفة وأن دورهم هو تعليم المجتمع وتثقيفه بالدعوة إلى العمل والنظافة والتهذيب، هل يعتقدون (السادة في الحكومة) أنهم مبعوثو العناية الإلهية جاءوا إلينا لأجل "الدعوة"؟ هل لدى الحكومة شيء آخر غير الدعوة يمكن أن تقدمه إلى المواطن لأجل التعليم والعدالة؟
الحلول الإعلامية لا تفيد شيئا للأسف الشديد، وإلا كنت أنا زرعت البحر مقاثي وأرحت الحكومة من العبء، ولا مناص من مواجهة الحقائق القاسية عن العدالة في المناصب والتعيينات، والعدالة في توزيع الموارد والضرائب والنفقات العامة، والعمل الحقيقي الذي يلمسه المواطن عن تحول المدرسة إلى مكان شائق، لماذا يعتقد معاليه أن المدرسة مكان ليس شائقا؟
هل يقترح معاليه معاقبة المدير والمعلمين لأنهم لم يجعلوا التعليم في مستوى يليق بمواطن يدفع الضرائب وينتمي إلى بلده؟ أم يرى ان نحاسب الحارس لأنه لا يوجد ملاعب كافية في المدارس؟ أم نستجوب في البرلمان سائق البلدية لأنه لم يوفر أنشطة فنية وموسيقية ورياضية لكل طالب في المدرسة؟
أقترح أن نقتطع من رواتب المعلمين ومكافآتهم ومياوماتهم ورحلاتهم وأسفارهم ومخصصاتهم لشراء حاسوب وقيثار لكل طالب، رحم الله ماري انطوانيت فعندما "دعت" الناس إلى أكل البسكوت بدلا من الخبز، كانت تعتقد أنهم لا يعرفون فوائد البسكوت وأهميته، وعلى الأقل فلم تكن "دعوتها" تتضمن استخفافا وعدم احترام للمواطن!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد