هل تصلح البيوت والمدن والبلدات والأحياء والطرق والمرافق التي تقام وتخطط في بلادنا للحياة الإنسانية المعاصرة؟ هل يمكن الحصول على عمارة أفضل من غير تكاليف إضافية؟ هل يمكن تحسينها من غير تدخلات مكلفة ومرهقة؟ وربما يكون السؤال الأكثر إيلاما من ذلك كله هو هل تضر أم تفيد أنظمة البناء وتخطيط المدن والطرق بالبيئة والزراعة ومصادر المياه وأسلوب الحياة؟ اليوم وقد أصبحت البيئة والمياه والزراعة تحديا رئيسيا ومصيريا تؤثر على كل قراراتنا وأسلوب حياتنا، فإننا بحاجة كبيرة إلى مراجعة أنظمة البناء والتخطيط المتبعة.
نحتاج أيضا أكثر من أية فترة سابقة إلى التفكير والبحث عن توفير حياة أفضل وملائِمة في البيوت والمدن والأحياء من دون تكاليف إضافية أو مواد مستوردة وغالية الثمن، أو من دون الإضرار بالبيئة، ولم يعد ذلك الموضوع ترفيا تنشغل به فئة من الناس من دون غيرهم، ولا موضوعا متخصصا يخص فئة من المهندسين والمتخصصين، لكنه وإن كان يحتاج إلى خبرة وتعلم أصبح ثقافة عامة ضرورية لكل مواطن، ولا أعني بالقول إنه ثقافة عامة أنه موضوع سهل يمكن فهمه واستيعابه وتعلمه مثل القضايا العامة والسياسية على سبيل المثال، ولكني أعني ضرورة أن ينشغل بتعلمه وفهمه كل مواطن وألا يظل شأنا متخصصا بفئة من الناس. لقد أصبحت كثير من القضايا المهنية والمتخصصة شأنا عاما، مثل البيئة والعمارة والصحة والاقتصاد والغذاء والتعليم والإعلام والدين والتدين، وهذا يقتضي بالضرورة منظومة من التعلم الذاتي والمستمر على نحو مضن وممل (ربما)، ولكن لا مناص من الخروج من حالة التلقي السهلة والاعتماد على وسائل الإعلام في الفهم والفتوى والمعرفة، ففاقد الشيء لا يعطيه!
ثمة عشوائية اجتماعية وثقافية وعامة في السكن والإقامة والبناء لا تلتفت إليها الأنظمة الفنية والتقنية في التخطيط، ولكنها في نتائجها وتبعاتها تدمر منظومة الحياة والموارد والأنظمة الاجتماعية والثقافية المشكلة لحياة أفضل والمنشئة (يفترض) للتقدم والإبداع، فيفترض أن تختار مواقع البيوت وتخطط الأحياء والبلدات والمدن على النحو الذي يحمي الموارد الطبيعية والمياه والأراضي الزراعية والأودية والسيول وأحواضها، فتجنب هذه المناطق كل أشكال البناء والطرق والاعتداء عليها والإضرار بها، وتصمم الطرق على النحو الذي يمنح الحي الهدوء والخصوصية، فتكون أغلب الطرق غير نافذة حتى لا يأتي إلا أهل الحي والزوار، ولا تكون ممرا او طريقا للعابرين إلا في الطرق المخصصة لذلك، وتتيح الطرق والأرصفة للأطفال والمعوقين وراكبي الدراجات والراغبين في المشي القدرة على التحرك والمسير بأمان وسهولة، يجب أن تصمم الطرق والأرصفة وفقا لمثل هذه الاعتبارات، ويخصص لكل حي أو بلدة أسواق ونواد ومدارس وحدائق ومكتبات وساحات وملاعب يمكن الوصول إليها مشيا على الأقدام، بحيث يكون المشي على الأقدام أو بالدراجات الهوائية الوسيلة المتبعة (غالبا) في الذهاب إلى العمل والسوق وأماكن العبادة والنوادي والساحات والملاعب والحدائق، ويستطيع الأطفال والكبار المقيمون في الحي التجمع والالتقاء على نحو تلقائي ومتواصل وبسهولة في السوق والنادي والمدارس والملاعب والساحات، وبذلك فإن أسلوب الإقامة والحياة يتيح على نحو تلقائي وفرا هائلا في الطاقة والموارد يحمي من التلوث ويقلل من الاعتماد على الطاقة، ويحمي الموارد المتاحة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد