ما بين أيدينا ونشتغل به الآن من قوانين، مثل قانون المالكين والمستأجرين وقانون الموازنة العامّة للسنة المالية 2012، هو من الورثة المنجزة زمن الحكومة السابقة، أي إننا لم نتبين بعد نمط الحكومة الجديدة واتجاهاتها. بالنسبة لما تبقى، لم يظهر من الحكومة أي توجه واضح، وبالعكس فكلما أفلت تصريح من الحكومة يكون المعنى الذي نستخلصه أننا أمام صفحة بيضاء ينبغي ملؤها، أو بعبارة أخرى أننا سنعاود البدء من نقطة الصفر.
في موضوع قانون الانتخاب، أطلق الرئيس إشارات في بعض الجلسات أنه يميل إلى نظام انتخابات الـ89. وآخر تصريح من الحكومة أنها تفكر مجددا في فتح حوار حول النظام الانتخابي ومحاورة لجنة الحوار الوطني!!  يا للهلع! مجددا حوار؟! على حوار على حوار؟!
لعلّ الرئيس جاء طازجا من لاهاي ويفكر في أنه من الطبيعي أن يفتح حوارا حول هذا الموضوع الخلافي. لكن عليه أن يفكر أيضا فينا نحن المساكين! فخلال السنوات العشر التي قضاها في عمله المحترم والمنتج هناك، سلخنا نحن السنوات العشر من العمر في عمل غير منتج، هو الحوار ثم الحوار في الورشات والندوات وعلى صفحات الجرائد، واللقاءات مع الرسميين وغير الرسميين، مع الوزراء القائمين والسابقين والمتوقعين، وكل ذلك كان يذهب هباء حتى حسمت "الدولة"، ولا أقول الحكومة فقط، أمرها مع الربيع العربي بضرورة الوصول إلى نتيجة! فقامت هي، وليس نحن، بتأليف "لجنة حوار وطني" تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، اشتغلت لشهرين ونصف الشهر على حوار مع المجتمع وبين أعضائها. وكان يمكن أن لا تصل إلى نتيجة بسبب تباين الرؤى العميق، لولا أنها كانت تشعر بعظم الاستحقاق المطروح أمامها فلا تخذل البلد والملك الذي ينتظر منها الوصول إلى نتيجة. وبالفعل، انتصر المشاركون على أنفسهم واجترحوا المعجزة التي يمكن اعتبارها ثمرة عشر سنوات من الحوار وليس شهرين ونصف الشهر فقط. فقد تم استحضار كل خلاصات الحوارات السابقة، والمشاريع القديمة والجديدة، وخبراء محليين وأجانب، وأصبح لدينا مقترح توافق وطني جاهز. والآن، لأن لدينا رئيس وزراء جديد، يجب أن نعود من جديد إلى نقطة الصفر؟! لا، بصراحة هذا كثير.
أخشى أن الحكومة ستكون في نفس الموقف على مختلف المحاور.. في مجال البلديات مثلا. فمنذ بدأت الحكومة الماضية عملها، كان قانون البلديات على جدول الأعمال وفي الواجهة مشكلة الدمج. وقامت لجنة وزارية بإجراء حوارات في مختلف المحافظات مع الفاعليات المحلية والوطنية، وتمّ بالفعل وضع تصور كثمرة لهذا الحوار. لكن الحكومة أضاعت الفرصة بسبب خلافها الداخلي حول الموضوع، وتمخض الأمر عن بقاء القديم على قدمه وحدوث الانتفاضة الانفصالية في البلديات. الحكومة الجديدة قررت إلغاء ما قامت به الحكومة السابقة بسبب شبهات قانونية. وكما بدا لنا، فليس لديها أي مشروع بديل، ونحن لا ندري بالفعل كيف تفكر، وهل لديها مشروع أمّ أن علينا أن نعود معها إلى نقطة الصفر لقطع المشوار من أوله، وبدون ثقة حتّى أننا سنصل إلى نتيجة؟!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة