يواصل النواب اليوم مناقشة خصخصة شركات التعدين الكبرى؛ الفوسفات والبوتاس والإسمنت، إضافة إلى قطاع الاتصالات. وسنسمع في الجلسة مزيدا من الخطابات تندب "بيع مقدرات الوطن بتراب المصاري".
لا توجد تقريبا أي مداخلات تدافع عن الخصخصة، أو للدقة عمليات الخصخصة المعنية، فمن لا يعارض سياسة الخصخصة من حيث المبدأ يهاجم على الأقل غياب الشفافية والفساد الذي أحاط بعمليات بيع حصص الحكومة في تلك الشركات. ومع الخطابة الشعبوية، قدمت في الحقيقة أرقام ووقائع ومعلومات تدعم الاتهامات بأن عمليات البيع لم تكن عادلة ومنصفة أو شابها الفساد.
لكن أسوأ ما سيحدث هو أن ينتهي النقاش الماراثوني إلى لا شيء! فنساهم -بدل مكافحة الفساد- في تكريس الإحباط التام والقناعة لدى الرأي العام أن ما نفعله كلام في كلام. وكنت أتساءل: ما هو الشيء الذي يمكن أن نتوج به النقاش حول أكثر قضايا الخصخصة إثارة للجدل والشكوك؟! أقرب مقترح يخطر على البال هو تشكيل لجنة نيابية –أو أكثر- للتحقيق في خصخصة شركات التعدين. لكن أخشى أن هذا أصبح يفتقد إلى المصداقية أيضا، فالمجلس ينوء بعدد وافر الآن من اللجان للتحقيق في قضايا أخرى، وكانت قد تشكلت من الدورة الماضية لجنة لقطاع الاتصالات لم تفعل شيئا، وفي البرلمان قبل الماضي تشكلت لجنة تحقيق برخصة إحدى شركات الاتصالات ولم تصل إلى نتيجة!
بالمحصلة، أخشى أن لا يكون تشكيل لجان جديدة هو الحلّ، أو أننا يجب أن نشكلها ونحدد مهامها وآليات عملها بطريقة مختلفة، أو قد يكون البديل هو إحالة هذه الملفات إلى جهة تحقيقية متخصصة وموثوقة تعمل تحت الرقابة الحثيثة لمجلس النواب. المهم أننا يجب أن نصل إلى صيغة يمكن الاطمئنان إليها للوصول إلى الحقيقة، وتقديم رواية صحيحة ومصدّقة للرأي العام عمّا حصل، حتّى لو لم يكن فسادا، من أجل طيّ هذه الملفات نهائيا.
رئيس الوزراء قدّم ردّا أوليا على النواب تفهم فيه الشكوك والشبهات بنهب المال العام، وأن الحكومة ستراجع اتفاقيات الخصخصة. ثم فاجأنا بالقول إن علينا أن لا نستبعد حتى احتمال إعادة شراء بعض أصول الدولة، مع أن الإمكانات المالية لا تسمح بذلك!
نؤكد على هذا الالتزام بمراجعة حريصة ومدققة لكل اتفاقيات الخصخصة، أمّا إعادة "شراء" جزء من الحصص المباعة فأشك فيه لسبب إضافي، هو أن الحكومة ستجد أن سعر الأصول سيكون أعلى بعشرات الأضعاف مما بيعت به. لكن هناك احتمال آخر أنبه إليه على غرار ما جرى في مصر! فقد ألغى القضاء المصري في أيلول (سبتمبر) الماضي 3 عمليات بيع لشركات كبرى حكومية بعد سنوات على حصولها، بسبب تجاوزات وفساد شاب عملية الخصخصة!!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة