من المهم أن نحلل كيف يفكر الجيل الحاضر لأنه يفترض أن يمثل مرحلة اقتصاد المعرفة ومجتمعاتها وسيكون مختلفا عن الجيل السابق
في كل جيل وكل مرحلة ثمة نسبة من الشباب الرواد والمثقفين والذين يحملون أفكارا ورؤى جديدة، ومقولة أن الجيل السابق أفضل من الجيل الحاضر هي قائمة على مشاهدة السلبيات في الجيل، وهي أيضا جزء من صراع الأجيال وخلافها، والواقع أنه لم يكن بالجملة ثمة جيل أفضل من آخر، ولكن يمكن أن يحدث تغير وتراجع في قطاع أو مجال معين، وهكذا فإننا إذا أردنا أن ننظر إلى مرحلة من المراحل في مجتمعاتنا وبلادنا فيجب أن نفتش بالطبع عن وجهة التفكير لدى شبابها الأذكياء والطموحين والمتفوقين، وهم يزيدون في كل مرحلة عن سابقتها، وليس كما يبدو في التفكير النمطي السائد لدى جيلنا عن الأجيال التالية.
ومن المهم جدا أن نحلل كيف يفكر الجيل الحاضر لأنه يفترض أن يمثل مرحلة اقتصاد المعرفة ومجتمعاتها، وسيكون مختلفا اختلافا كبيرا عن الجيل السابق، ربما يشبه في مرحلته وفرصه جيل الشباب الذين عاصروا بناء الدولة الحديثة، والتي شهدت التحولات الكبرى من المجتمعات الزراعية والمحلية إلى الدولة ومؤسساتها، ومن الكتاتيب إلى المدارس، ومن الاقتصاد الزراعي والرعوي البسيط إلى قطاع المهن والأعمال والصناعة والتجارة.
ويا ليت تساعدنا مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي وبخاصة مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وطلبة الدراسات العليا في الجامعات في التعرف على رؤية ونظرة الجيل الحاضر إلى مسائل وأفكار وقيم في العمل والحياة والأمنيات الشخصية والهوية والفن والثقافة والموسيقى والنشر والكتب والصحافة والإعلام والتخصصات الدراسية والمهن والحرف والأعمال والسياسة والأسرة والفردية والانتماء والمشاركة والتدين والهوايات والوقت والصداقة والعلاقة بالمدن والأمكنة وأسلوب الحياة والسلوك الاجتماعي والإبداع والنجاح والفشل، والمدارس والجامعات والمناهج الدراسية، وغير ذلك من المسائل والأفكار التي سيكون الاطلاع عليها مفيدا في معرفة مدى مشاركتنا في اقتصاد المعرفة وتداعيات وتأثير التحولات الاقتصادية والمجتمعية على الأجيال والتعليم والحياة بعامة.
نتحدث عن فئة من المجتمع نشأت وهي تتعامل مع الكمبيوتر والإنترنت والموبايل باعتبارها تحصيل حاصل وشيئا عاديا، وليست أمرا مدهشا كما حدث لنا، فما نزال نتذكر كيف كانت أحداثا فريدة ومدهشة ونخبوية عندما بدأت خدمات الموبايل، والكمبيوتر والإنترنت والبريد الإلكتروني تحل في المؤسسات والبيوت والأعمال، وكيف جرت جدالات طويلة (وعقيمة) عن جدواها وعيوبها، وربما نكون مانزال ننظر إليها باعتبارها إضافة نوعية ومهمة، ولكن ليس كما يراها (ربما) الجيل الحاضر باعتبارها جزءا بنيويا بديهيا لا يحتاج إلى نقاش، وهذا الفرق في الرؤية ينعكس بالتأكيد على فلسفة العمل وإنجازاته أيضا، ويؤثر على نجاح أو فشل "الحوسبة" وأنسنتها أيضا، ومدى القدرة على تطبيقها في الإدارة والتعليم والصحة والانتخابات والتواصل وكل مجالات العمل والحياة.
أتذكر أن الحوسبة كان ينظر إليها على أنها تعقيد وتكلفة زائدة في العمل، ودرسنا في الجامعات في الثمانينات موضوع "الحوسبة" باعتباره تحديا، وكنا نكلف بدراسة جدوى استخدام الحاسوب وتقييمه في المؤسسات والتطبيقات وكيف ومتى يتخذ قرار الحوسبة، وبالطبع فقد كنا نميل متأثرين بأساتذتنا إلى رفض الحاسوب إلا إذا كان العمل غير ممكن من دونه أو إذا كان يقلل الجهد والتكاليف، ولكنا كنا نجد دائما أنه يزيد التكاليف والجهود، ويفضل عدم استخدامه، وعندما أراجع وأقيم اليوم كل ما درسته في الجامعة أجده كله لم يعد يصلح للاستهلاك أبدا، وبصراحة فإنه لا يختلف في جدواه وإمكانية تطبيقه عن تعليم صناعة الطرابيش، أو تبييض النحاس، وحتى كثير من التخصصات والمهارات والعلوم التي مانزال نحتاجها فقد أغنانا الكمبيوتر عن تعلمها أو تطبيقها بأنفسنا، نتحدث عن شريحة واسعة من العلوم والأعمال والتي يجب أن تعيد النظر في السوق والأعمال والمهن والمدارس والجامعات والإدارات، وهو ما يدركه تماما الجيل الحاضر ولا ندركه نحن، ولذلك فإنه جيل ينظر إلينا بقدر كبير من الشفقة والرثاء.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد