لثلاثة أسابيع متتالية حاولت تصوير ملف قضية في قصر العدل دون جدوى، والسبب إضراب موظفي وزارة العدل، لا أريد الدخول هنا في تفاصيل الإضراب وأسبابه، ولكنني أنظر إلى المشهد من زاوية أخرى أكثر اهمية: تزايد ظاهرة الإضرابات والوقفات الاحتجاجية على خلفية المطالبات العمالية والحقوقية، هذا وجه آخر للربيع العربي، قد يكون الأكثر تعبيرا عن حال الناس، وهو في الوقت ذاته الأكثر خطورة في حركة التغيير المجتمعي، وقد يكون الأكثر شدة في فاعليته، فقد تمكن موظفو وزارة العدل من إيقاف مسيرة المحاكم في البلاد لأيام طويلة خلت، حتى باتت القضايا تؤجل تلقائيا، مع ما يعنيه هذا من تأخير في سير العدالة، وربما ضياع حقوق، هي أصلا مهددة بسبب بطء عملية التقاضي، وازدحام المحاكم، حتى انني أشفق على القضاة حينما أرى الملفات الضخمة متكدسة أمامهم بانتظار البت

الحركات الاحتجاجية التي تأخذ طابعا اجتماعيا ومطالبيا كانت أكثر فاعلية في تحريك المياه الراكدة في المجتمعات، نسبة للتأثير الذي تحدثه الحراكات التي لها طابع سياسي، ذلك أن من يشارك بالأولى ليسوا من اتباع التنظيمات عادة، بل جمعهم هم العيش والاحساس بالظلم، ودفعهم للتظاهر والإضراب يأسهم من إيصال أصواتهم عبر الطرق المألوفة في الحالات الاعتيادية، وأهمية حركتهم تأتي أيضا من ارتباط عملهم بالخدمات التي يؤدونها للجمهور، في مصر مثلا، كتب الدكتور مصطفى النجار، عضو مجلس الشعب السابق، مستنكرا الإضرابات المتتالية التى تشهدها محطات السكك الحديدية، مؤكدًا أنها مؤشر خطير على ما يمكن أن تسببه الاحتجاجات الاجتماعية مستقبلا. النجار، قال فى تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «إضراب السكك الحديدية مؤشر خطير على ما يمكن أن تسببه الاحتجاجات الاجتماعية مستقبلا.. على النظام إدراك أن الاحتجاج الاجتماعى أخطر من السياسى». ويبدو اننا دخلنا في الأردن نمطا جديا من الحراك الاجتماعي، بعد تحول الحراك السياسي إلى نوع من «التقليد» الأسبوعي غير الفعال، وإن ارتفعت لهجته أكثر، وطالت شعاراته مناطق لم يرتدها من قبل، ومع هذا بدا أن الحراك الاجتماعي أكثر فاعلية وتأثيرا، وإذا ما ازداد زخمه أكثر فأكثر، فلربما نشهد ما يشبه العصيان العام، وهي مرحلة متقدمة لحالة التعبير عن الإحساس بالظلم والتهميش،

حتى الآن تبدو استجابات الجهات المختصة للحراكات المطالبية متفاوتة وإن بدا أنها خضعت على نحو أو آخر ولو بشكل نسبي أحيانا للمطالبات الاجتماعية، ما يدفع للظن أننا سنشهد المزيد من هذه الحراكات، نتيجة لغياب المؤسسية فيما يسمى «حزب الإدارة العامة» الذي يدير البلاد، فضلا عن الاستجابات النسبية تشجع أطرافا أخرى للدخول في الحراك الاجتماعي والإضرابات، دون أن نرى في الأفق أي بوادر لرؤية رسمية منهجية للتعامل مع هذه الظاهرة، خاصة في حال تفاقمها واتساع رقعتها

 

بقلم حلمي الأسمر


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية