كأن القرن الحادي والعشرين انتهى أمس، وكأن عام 2009 سيكون بداية لقرن جديد، أو بعبارة أدق، كان العام 2008 نهاية لمرحلة كبيرة وعاصفة بدأت أواخر الثمانينات وانتهت بأمس. (ربما) كان العقدان الماضيان يعبران عن مرحلة من التحولات الكبرى والجذرية وانتهت، بالأزمة المالية العالمية والكساد الكبير المتوقع.
حدثت في هذين العقدين من الزمان أحداث وتحولات تشبه التحولات التي جرت بين منتصف القرن الثامن عشر وانتهت بالأزمة المالية العالمة والكساد الكبير في أوائل ثلاثينات القرن العشرين، ولكن التحولات العظيمة هذه التي استغرقت قرنين من الزمان حدث ما يشبهها في الصخامة والتأثير في عشرين عاما؛ انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، وانتشار تقنية المعلوماتية والحوسبة والاتصالات وما صحبها من اقتصاد جديد ومجتمعات جديدة أيضا، وتشكلت دول جديدة في أوروبا وآسيا الوسطى، وسويت قضايا وصراعات كبرى وتاريخية، واجتاح العالم مد إسلامي، وصعدت الأصوليات الدينية كلها.
لم يكن عام 2008 عاديا، ربما سيظل يذكر في المستقبل لفترة طويلة بأنه عام الحرب غير المسبوقة على غزة، وصعود أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وعام الأزمة المالية العالمية الكبرى والتي ستظل تداعياتها وتفاعلاتها مستمرة في الأعوام القادمة، وربما يكون أيضا بداية لتحولات كبرى في السياسة الأميركية دشنها انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، فلم يكن مجيء أوباما مجرد استبدال للحزب الديمقراطي مكان الحزب الجمهوري، ولكنه إحلال لرؤية وسياسات جديدة محل أخرى سابقة، وإعلان لفهم إنساني جديد وبالغ العمق لقيمة الإنسان والمواطن باعتباره إنسانا ومواطنا.
يصعب أن نجد مكانا للعرب في التحولات والأحداث الجارية، كأنهم جزء منسي من العالم، الصين وروسيا والهند صعدت إلى واجهة المشهد العالمي وتقدمت في سلم التأثير والقوة خطوات واسعة وبعيدة، ربما كانت أزمة جورجيا أكبر بكثير من صراع داخلي أو إقليمي، ولكنها تعبر بوضوح عن تحديات جديدة وكبرى للأحادية القطبية التي تمتعت بها الولايات المتحدة منذ أوائل التسعينات، وربما كان استقلال كوسوفا خطوة كبرى في أزمة بدأت منذ الحرب العالمية الأولى، وكأن أوروبا تصلح خطأ تاريخيا.
إيران وتركيا صعدتا إقليميا وتقدمتا نحو التأثير السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وربما تنجح تركيا في ترتيب تسوية سياسية بين سورية وإسرائيل، وهاهي تقود التراتيب الإقليمية لتداعيات الحرب على غزة، وحاولت باكستان أن تصحح أوضاعها السياسية والداخلية، ولكنها تواجه تحديات أكبر من أن تحلها انتخابات عامة، وتقدمت طالبان في أفغانستان من لاعب فعلي على الساحة الأفغانية والباكستانية إلى شريك معترف به على طاولة المفاوضات الداخلية والإقليمية، وتوارت "القاعدة" ولم يظهر صوت لأسامة بن لادن طوال العام، هل طوي ملف العنف المنتسب إلى الإسلام؟
ربما لا يكون من الحكمة أن نجلد أنفسنا، ولكنا نحتاج لتفكير طويل وسؤال ملح لنجد أين كنا وإلى أين وصلنا في الإنجاز والتقدم، ولكن يمكننا أن نتذكر كثيرا من الأزمات والمشكلات، هل نسينا إنجازا عربيا؟
وكما آلت الرأسمالية الليبرالية في القرن التاسع عشر إلى عولمة وهجرة هي الأكبر في التاريخ، ثم كساد كبير، فقد تكررت الدورة الليبرالية مرة أخرى وآلت إلى عولمة جديدة ثم أزمة عالمية اقتصادية ربما تتحول إلى كساد كبير، وفي المرة الأولى صعدت الشيوعية واكتسحت العالم حتى انحسرت انحسارا كبيرا هو أقرب إلى الانهيار، فقد صعدت في المرة الثانية موجة دينية عالمية، وصار الإسلام السياسي عنوانا للحرب العالمية في العقدين الماضيين، فهل ستبدأ هذه الموجة بالانحسار، وهل تكون حرب غزة بداية لهذا الانحسار الكبير؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد