ينتمي الكلدانيون إلى منظومة الشعوب والحضارات الآرامية التي استوطنت الهلال الخصيب منذ فجر التاريخ (الكلدان والسريان والفينيقيون والكنعانيون والآشوريون)، وأسهمت في تأسيس الحضارة الإنسانية بشكلها القائم اليوم (المدن والكتابة والزراعة والتجارة، والطرق والسفن والتعليم والمهن والحرف..). ونقلت الإنسانية من طور الرعي والصيد وعدم الاستقرار، وبعد دخول المنطقة في المرحلة العربية الإسلامية اندمج السكان في الثقافة العربية والإسلامية وأصبحت اللغة العربية هي اللغة السائدة وتحولوا إلى عرب، وبقيت اللغات السالفة محصورة في المسيحيين منهم الذين لم يعتنقوا الإسلام، ويعتقد بعض المؤرخين أن معظم السكان ظلوا على مسيحيتهم عدة قرون حتى عهد الحروب الصليبية، وتولي شعوب وجماعات غير عربية لقيادة العالم الإسلامي، والذين لم يتفهموا أن العرب المسيحيين مختلفون عن الفرنجة المسيحيين أيضا، وأنهم تعرضوا لمذابح ومجازر على يد الصليبيين مثلهم مثل المسلمين.
وقد اعتنقت شعوب المنطقة المسيحية منذ القرن الأول الميلادي (أي قبل البيزنطيين بمئتي عام على الأقل)، وأسسوا أول مملكة مسيحية "سريانية" في التاريخ وعاصمتها "الرها" وهي المدينة المسماة اليوم "أورفا" وتقع في أقصى جنوب شرق تركيا، وأطلقت تسمية السريان على الآراميين المسيحيين، ثم تحولت السريانية إلى مذهب مسيحي، فاختلط المذهب بالاثنية، ويوجد اليوم أكثر من 25 مليون مسيحي في الهند يعتنقون المذهب السرياني، ويسمون هناك بهذا الاسم أو سوريون، وفي الحقيقة فإن التسمية مذهبية وليست اثنية، فهم ليسوا من الشعب السرياني، ولكنهم هنود. وتنتمي إلى السريان المغنية المشهورة "فيروز"، والتي هاجر والدها من مدينة ماردين المجاورة للرها "أورفا" إلى لبنان.
وقد تعرض المسيحيون في الرها إلى مذبحة هائلة على يد الصليبيين، ويقال إن مئة ألف مسيحي ومسلم قُتلوا في الرها وهم يدافعون معا عن المدينة، ويقال أيضا إن الصليبيين عرضوا على أهل المدينة أن يسلموهم "كفن المسيح" الذي يحتفظون به مقابل سلامة أهل المدينة، وكان المسيحيون يميلون إلى الموافقة، ولكن المسلمين رفضوا تسليم الكفن، وظلوا يقاتلون معا حتى سقطت المدينة، وما زال الكفن المذكور محتفظا به إلى اليوم في الفاتيكان.
وقد ورث الكلدانيون الآشوريين وأنشأوا مملكة بابل، ومن أهم ملوكهم "نبوخذ نصر" الذي امتد حكمه إلى جميع بلاد الهلال الخصيب، ونقل اليهود من فلسطين إلى بابل "السبي البابلي" في القرن السابع قبل الميلاد، ثم قضى الفرس على مملكتهم، وصاروا جزءا من مملكة فارس، وتعاقبت بعد ذلك حضارات وممالك على المنطقة من الفرس واليونان والرومان والفرس مرة أخرى إلى أن دخلت المنطقة في العهد الإسلامي.
اليوم تطلق تسمية "الكلدانيون" على المسيحيين منهم فقط، وصار معظمهم مسلمين عربا بحكم الثقافة والاندماج والزمن، ويتبع الكلدانيون كنيسة خاصة بهم وإن كانوا يعترفون بسلطة البابا في الفاتيكان، ويسمون أيضا "نسطوريين" و"يعاقبة" نسبة إلى نسطور ويعقوب البرادعي، وهما من أهم القادة الدينيين في القرون الميلادية الأولى، وتقدر أعدادهم بنصف مليون نسمة، يشكلون معظم المسيحيين في العراق البالغ عددهم حوالي سبعمائة ألف نسمة.
يذكر القاضي أبوالقاسم صاعد الأندلسي (القرن الخامس الهجري، العاشر الميلادي) في كتابه طبقات الأمم أن الكلدانيين هم السريانيون والبابليون، وكانوا شعوباً، منهم الكربانيون والآثوريون والأرمنيون والجرامقة، وهم أهل الموصل والنبط وهم أهل سواد العراق، وكانت بلادهم في وسط المعمور أيضاً، وهي العراق والجزيرة التي ما بين دجلة والفرات المعروفة بديار ربيعة واليمن.. كانت البلاد كلها مملكة واحدة، ملكها واحد ولسانها واحد سرياني، وهو اللسان القديم، لسان آدم وإدريس ونوح وإبراهيم ولوط وغيرهم، ثم تفرعت اللغة العبرانية والعربية من السريانية، فغلب العبرانيون، وهم بنو إسرائيل، على الشام فسكنوه، وغلبت العرب على البلد المعروف بجزيرة العرب.. وانكمشت بقية السريانيين إلى العراق وكانت دار مملكتهم العظمى كلوادا.
ومنهم علماء أجلّة وحكماء وفضلاء يتوسعون في فنون المعارف من المهن التعليمية والعلوم الرياضية والإلهية، وكانت لهم عناية بأرصاد الكواكب وتحقق بعلم أسرار الفلك ومعرفة مشهورة بطبائع النجوم.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد