لَوَتْ بالسّلامِ بَنَاناً خَضِيبا، … وَلحظاً يَشُوقُ الفُؤَادَ الطّرُوبَا

وَزَارَتْ عَلى عَجَلٍ، فاكتَسَى … لزَوْرَتِهَا أبْرَقُ الحَزْنِ طِيبَا

فَكَانَ العَبيرُ بِهَا وَاشِياً، … وَجَرْسُ الحُلِيّ عَلَيْها رَقِيبا

وأنَسَ لَيْلَتَنَا في العِنَا … قِ لَفُّ الصِّبَا بِقَضِيبٍ قَضِيبَا

سَكُوتٌ يَحِرُّ عَلَيْهِ الهَوَى … وشَكوَى تَهيجُ البُكَا والنّحِيبا

كمَا افتَنّتِ الرّيحُ في مَرّها، … فَطَوْراً خُفُوتاً وَطَوْراً هُبُوبَا

عَنَتْ كَبِدي قَسوَةٌ منكِ ما … تَزَالُ تُجَدِّدُ فيهَا نُدُوبَا

وَحُمّلْتُ عِندَكِ ذَنْبَ المَشِـ … ـيبِ حَتّى كأنّي ابتَدَعتُ المَشِيبَا

وَمَنْ يَطّلِعْ شُرَفَ الأرْبَعِيـ … ـنَ يُحَيّي من الشَّيبِ زَوْراً غَرِيبا

بَلَوْنَا صَرَائبَ مَنْ قَدْ نَرَى، … فَمَا إنْ رَأيْنَا لفَتْحٍ ضَرِيبَا

هُوَ المَرْءُ، أبْدَتْ لَهُ الحَادِثَا … تُ عَزْماً وَشيكاً، وَرَأياً صَلِيبَا

تَنَقّلَ في خُلُقَيْ سُؤدَدٍ … سَمَاحاً مُرَجًّى، وبأساً مَهِيبَا

فكالسّيفِ، إنْ جِئْتَهُ صَارِخاً، … وَكالبَحْرِ إنْ جِئْتَهُ مُسْتَثِيبَا

فتًى كَرّمَ الله أخْلاَقَهُ، … وألبَسَهُ الحَمدَ غَضّاً، قَشِيبَا

وأعطاهُ مِنْ كلّ فَضْلٍ يُعَدُّ … حَظّاً، وَمِنْ كلّ مَجدٍ نَصِيبَا

فَدَيْناكَ مِن أيّ خَطْبٍ عَرَا، … وَنَائِبَةٍ أوْشَكَتْ أنْ تَنُوبَا

وإنْ كَانَ رَأيُكَ قَد حَالَ فيّ، … فَلَقّيتَني بَعدَ بِشْرِ قُطُوبا

وَخَيّبْتَ أسْبَابيَ النّازِعَا … تِ إلَيكَ، وَما حَقُّها أنْ تَخيبَا

يُرَيّبُني الشيءُ تأتي بهِ، … وأُكْبِرُ قَدْرَكَ أنْ أسْتَرِيبا

وأكْرَهُ أنْ أتَمَادَى عَلى … سَبيلِ اغْتِرَارٍ، فألقَى شَعُوبا

أُكَذّبُ ظَنّي بأنْ قدْ سَخِطْـ … ـتَ، وَمَا كنتُ أعهَدُ ظَنّي كَذُوبا

وَلَوْ لم تكُنْ ساخِطاً لمْ أكُنْ … أذُمُّ الزّمانَ، وأشكُو الخُطُوبا

ولا بُدّ مِن لَوْمَةٍ أنْتَحِي … عَلَيكَ بها، مُخطِئاً، أو مُصِيبَا

أيُصْبِحُ وِرْديَ في سَاحَتَيْـ … ـكَ طَرْقاً، وَمَرْعَايَ مَحْلاً جَديبَا

أبِيعُ الأحِبّةَ بَيْعَ السّوَامِ، … وآسَى عَلَيْهِمْ: حَبيباً حَبيبا

فَفي كلّ يَوْمٍ لَنَا مَوْقِفٌ، … يُشَقّقُ فيهِ الوَداعُ الجُيُوبَا

وَمَا كَانَ سُخطُكَ إلا الفِرَاقَ، … أفاضَ الدّموعَ، وأشجَى القُلُوبَا

وَلَوْ كُنتُ أعرِفُ ذَنْباً لَما … تخالَجَني الشكُّ في أنْ أتُوبا

سأصْبرُ حتّى أُلاقي رِضَاكَ: … إمّا بَعيداً، وإمّا قَرِيبَا

أُرَاقِبُ رأيَكَ حَتّى يَصحُّ، … وأنْظُرُ عَطْفَكَ حتّى يَثُوبا

 

عنوان القصيدة: لوت بالسلام بنانا خضيبا

بقلم الشاعر البحتري


المراجع

oinae.org

التصانيف

شعراء   الآداب