تعاني التجارة الخارجية من اختلالات خطيرة يجب الالتفات إليها بجدية واهتمام، فالصادرات الأردنية تتركز في الفوسفات والبوتاس والزراعة والأدوية (لا داعي ولا أهمية لاحتساب صادرات الألبسة في المناطق المؤهلة) وتتركز أسواق التصدير في الولايات المتحدة والعراق، وبرغم النسبة الكبيرة للسوق العربية في التجارة الخارجية الأردنية (40%) فإنها آخذة بالتناقص لصالح الواردات من أوروبا (أكثر منبليوني دينار) مقابل صادرات بقيمة 35 مليون دينار، وتشكل الصادرات نصف الواردات فقط.
بالطبع فقد كان النفط يشكل العبء الأكبر في الواردات، ولعل هذا العبء يتراجع في المستقبل بعد انخفاض أسعاره، وكان لانخفاض سعر الدينار مقابل اليورو أثر كبير أيضا على ارتفاع قيمة الاوردات وغلاء الأسعار وزيادة معاناة الناس، ولكن انخفاض سعر البترول وارتفاع الدولار لن يقلل من تأثير الاختلالات الكبرى في التجارة الخارجية، فما تزال الأسواق الأوروبية بعيدة ومغلقة على المنتجات الأردنية، ولم تفد اتفاقيات التجارة الحرة سوى زيادة الواردت وتسهيلها من دون أن تشجع الصادرات لأنه ليس لدينا صادرات ابتداء، لماذا لا تصل المنتجات الزراعية الأردنية إلى الأسواق الأوروبية؟
إصلاح الخلل يبدو واضحا في التنظير، فهو ببساطة تعظيم الصادرات وتخفيض الواردات، ولكن التطبيق العملي يؤدي إلى مزيد من العجز في الميزان التجاري، وما تعرضه الحكومة باعتزاز عن الإنجازات في سياسة التجارة الخارجية لا يتجاوز فتح السوق الأردنية للواردات وضمان تسهيل وصولها من دون الاستفادة في المقابل في التصدير أو من دون نشوء إنتاج بديل للواردات.
الكثير من هذه الواردات يمكن إنتاج بديل وطني لها، وهناك أيضا أسواق كثيرة لم يتمكن بعد المصدر الأردني من الوصول إليها، بالطبع فإنه كلام بديهي توافق عليه وتقوله أيضا دراسات وتقارير وزارة التخطيط ووزارة الصناعة والتجارة.
وباستمرار اعتماد الصناعة الأردنية على استيراد المدخلات ستبقى قيمتها الحقيقية والمضافة قليلة، وربما يكون ممكنا وعمليا على المدى القريب والبعيد توفير مصادر كثير من هذه المدخلات، فالتوسع في زراعة وإنتاج الأعلاف والغابات والنباتات الطبية سيجعل من الصناعات الدوائية والغذائية ذات قيمة عالية متعاظمة، ولا يجوز الاستمرار بحالة عجز الغابات والمراعي لأن الاقتصاد الوطني ينسحب بذلك من فرصه الحقيقية والمتاحة ويتحول إلى الهشاشة وفقدان المعنى والجدوى أيضا، ونستطيع خلال سنوات معقولة أن نحول الجبال والبادية إلى مصدر للصناعات الغذائية والأخشاب ومواد البناء والأدوية، وهذا ينشئ موارد عظيمة متجددة، ويقلل تكاليف الإنتاج ويجعل الصادرات الوطنية منافسة في الأسواق المجاورة والبعيدة.
وعلى الرغم من أن الأردن من الدول الفقيرة نسبياً بالموارد الطبيعية إلا أنه غني بالموارد البشرية، وبخاصة أن الصناعات القائمة في هذا المجال كالصناعات الجلدية والمحيكات والدواء واللوازم الطبية قائمة بالفعل وتوظف كفاءات مهنية وحرفية مناسبة، وتحتاج فقط لصناعات موازية توفر المدخلات وتقلل التكاليف وتخفض الاستيراد.
وتشكل المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة الغالبية العظمى من المؤسسات، وتعتمد قدرة هذه المؤسسات وفاعليتها على تطوير وتأهيل القوى العاملة فيها لإنتاج سلع ذات جودة عالية وقدرة تنافسية، وهو أمر ممكن تحقيقه أيضا بتطوير ممكن وفي المتناول للتعليم والتدريب المهني والحرفي.
وبرغم التوسع الذي حدث في زراعة الزيتون وإنتاج الزيت، فما تزال اقتصاديات "الزيت والزيتون" بالغة الضآلة في الاقتصاد الأردني وما تزال تكاليف إنتاجه عالية جدا، وهذه مسألة محيرة وتحتاج إلى توقف طويل، كيف نجعل من الزيت والزيتون أساسا لاقتصاد واسع ومتقدم؟ كيف نوظف فرصنا ومواردنا المتاحة والممكنة لنجعل هذا القطاع مجالا لصادرات واسعة ولإنتاج محلي وغذائي يقلل من الاعتماد على المنتجات المستوردة؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد