سؤال يتردد بيني وبين نفسي عن حقيقة الديمقراطية وما هيّتها؟! ومضمونها وأساليبها؟! وجواز ارتيادها من عدمه؟؟
 ثم كيف لها أن تثمر في واقعنا المعاصر؟؟ وهل يجوز لنا أن نمتطي ركابها ونخوض غمارها؟؟
 فهذه الدروب قد أظلمت.. وتلك رياح التغريب قد أقبلت.. وحمّى المصائب قد استعرت.. واحلو لك الحال...وبلغ السيل الزبى.. وغصت بلادنا بالدواهي.. واتخمت بالنكبات.. حتى أضحت الشعوب ويا للأسف من واقع حالها ثم من تهميشها ، والحجر على حراكها السياسي لا تبصر شمس الشروق في سمائها!! ولم تعد تبصر سوى جهة الغروب في فضائها؟! بل كأنها لا تتقن سوى لغة التلقين والهروب في حياتها!!.
 هذا المصطلح الديمقراطية والذي تردَّد كثيراً في أيامنا ،و ضجَّت به وسائل الإعلام حتى أصبح كابوساً يجثم على الحكام، وعلقماً على أهل التسلط الذين يتحكَّمون جوراً وقسراً بالبلاد والعباد، وقوس قزح ٍتتطلع له الشعوب تتلمس فيها  النجاة عساها تتنفس الحرية.. وتبصر الكرامة ..وتلقى الأمن والأمان واقعاً ملموساً في بلادها.
 لقد أضحت هذه الكلمة الديمقراطية مطلباً جماهيرياً عريضاً تطالب به النخب المثقفة من أبناء مجتمعاتنا من جميع الاتجاهات والميول الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالحركات الإسلامية التي كان بعضها حتى وقت قريب يرفض استخدام هذا المصطلح جملةً وتفصيلاً ناهيك عن ارتياده!!.
 الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه أو بتعبير آخر الاحتكام لصناديق الاقتراع بغية الوصول لرأي الأكثرية وما يريده السواد الأعظم من الناس في أمر ما لتحقيق مصالح البلاد والعباد، هذا الأمر الذي جسَّده أخيراً ذاك الاستفتاء الذي جرى في كلٍ من فرنسا وهولندا وكان رأي الأكثرية فيه رفض الدستور الأوروبي في كلا البلدين، الأمر الذي أدَّى إلى حرج ٍوخيبة أملٍ لدى القيادة السياسية في البلدين التي  كانت تعلق عليه الآمال.. وانتاب الأوروبيون الدهشة والخيبة نتيجة ذلك الاستفتاء  الذي انصاعت له القيادة السياسية في البلدين رغماً عنها حيث تنادى بعدها قادة  الاتحاد الأوروبي لاجتماع عقد في بروكسل بتاريخ 16/6/2005م وتقرَّر فيه تمديد  مهلة التصديق على الدستور الأوروبي.
 وبعيداَ عن استغلال شعارات الديمقراطية من قبل البعض!! والتلاعب بمضامينها!! وتفريغ محتواها!! لتغدو لعبة من ألاعيب القطب الأوحد والذي يتماحك بها حالياً جاعلاً نفسه وصياً على العالم ومتصرفاً في شؤونه مظهراً نفسه كأنَّه  يدعو لتحقيقها لينادي خداعاً بها!! ويدعي زورا َ أنه من أربابها!! ولكنَّه  وللحقيقة أبعد الناس عنها ..وأكذب المطالبين بها.. وأفجر الناطقين باسمها..  والعراق وفلسطين شاهدتان حيَّتان على ذلك.
وبعيداً أيضاً عن جدلية الديمقراطية بين الإسلاميين وكونها لا تمثل ما يتصوره  أصحاب الفكر الإسلامي ووجهة نظرهم التي تتبنّى الشورى والمرجعية المستمدة من  القرآن والسنة والإجماع والقياس، وما يستجد من أمور يفتي فيها أهل الحل والعقد من علماء الأمة الإسلامية المشهود لهم بالصلاح والتقوى والعلم والخبرة طبعاً هذا في المجتمعات التي تتبنى الإسلام عقيدةً وفكراً وديناً ومنهجاً.
ولكننا لو تأملنا واقعنا الحالي لوجدنا أنفسنا نعيش ويا للأسف في مجتمعات  تُرقِّع قوانينها!!؟ وتزخرف تشريعاتها!!؟ لتستمد تارة من الغرب!! وأخرى من الشرق!! وتأخذ من هذا!! وتستجلب من ذاك !!وتجعل الإسلام حياءً واستحياءً هو أحد  مصادر التشريع لديها أو المصدر الأساسي للتشريع هذا إن لم تستبعده تماماً!! لتأتي صورة مجتمعاتنا شوهاء لا تعبر عن أصالتها وجوهرها، بله عن حقيقتها ومظهرها، لتجد التغريب واقعاً ملموساً في حياتنا!! وتبصر الخلل يعتام جميع مناحي الحياة لدينا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية  والأمنية.
وهنا أتيح لنفسي بأن أضع تساؤلاً عريضاً مفاده كيف لنا نحن الإسلاميون أن نعيد لمجتمعاتنا أصالتها وجوهرها وتألقها؟؟
 وهل استخدام فن الممكن والولوج في اللعبة السياسية حرام ٌعلى الإسلاميين حلال  ٌعلى غيرهم؟؟
 أم لا مانع بالنسبة لهم في الدخول إلى حلبة الديمقراطية وخوض غمارها والاستفادة من صناديق الاقتراع من أجل توليف الحياة السياسية لصالح فكر هذه الأمة ومعينها  الأصيل؟؟.
 أجل هذا هو السؤال الذي أطرحه وأطالب علماء الأمة بالبت فيه لجعل الرؤيا جليّة ؟؟ وهنا بيت القصيد فالرؤية الواضحة ،والوقفة الحاذقة للإسلاميين في الديمقراطية وخوض غمارها في هذا الظرف بالذات باستخدام فن الممكن والديمقراطية هو السبيل الأسلم للوصول إلى  غاياتهم ومنتهى أمالهم وطموحاتهم.
وأستحضر هنا ما قاله الرئيس الليبي معمر القذافي بعد فوز الإسلاميين في الجزائر بنسبة85% في أول انتخاباتٍ ديمقراطية جرت هناك فقال معلقاً عليها:
(لا تستغربوا هذه النتيجة لأننا لو أجرينا انتخاباتٍ حرة ًفي أي بلدٍ عربي فإن الإسلاميين سيفوزون فيها ) أجل وليس هذا بمستغرب فالإسلام هو نبض شعوبنا وهو الهواء الصحي العليل الذي  تتنفسه ولن تخيب صناديق الاقتراع الإسلاميين ولن تتنكب لهم، لما للإسلاميين من رصيدٍ حقيقيٍ في قلوب الناس ،ولما لهم من مصداقيةٍ مشهودة في تعاملاتهم وعلاقاتهم وأشير هنا إلى فوز الإسلاميين بالانتخابات في كلٍمن ماليزيا و تركيا وفلسطين والسعودية .
 وإني لأدعو بقوة ٍإلى دخول الإسلاميين المعترك السياسي ،واستخدام فن الممكن ،والدخول إلى حلبة الديمقراطية، وصناديق الاقتراع بعيداً عن المهاترات الصحفية، والمساجلات الكلامية، واستعداء الآخرين وعدم البقاء على هامش الأحداث بل  الولوج إليها تفاعلاً وتفسيراً ،وتجاذباً وتأثير اً .
 إن ما يخشاه حكّام اليوم هو تفاعل الإسلاميين مع الديمقراطية وانخراطهم بها ليضعوا في وجوههم العراقيل والسدود لحرمانهم من حقوقهم السياسية في تكوين أحزاب  تتبنى الديمقراطية والسلم في التفاعل والتأثير مع الأحداث والمستقبل واضعين الحجج الواهية لاستبعادهم،والمبررات الهشة لعدم شرعيتهم متبعين بذلك سياسة  الإقصاء ضدهم والإرهاب الفكري والجسدي حيالهم الأمر الذي أدى إلى خروج جماعاتٍ  متطرفة تتبنى القوة والعنف وسيلةً لتحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها الأمر الذي ينكره ديننا الحنيف دين الوسطية والاعتدال و الحجة والكمال .
وبعد فإن إسقاط الديمقراطية على الحياة السياسية في بلداننا يعتبر مكسباً  كبيراً للإسلاميين الذين يمتلكون رصيداً عظيماً في أوطانهم، ومحبةً كبيرةً لدى  شعوبهم، وتكاد تكون الديمقراطية في ظل الأوضاع السياسية المعقدة التي يعيشها  العالم، وتعيشها منطقتنا بالخصوص هو أسلم الدروب لتحقيق الأماني وبلوغ الغايات  للوصول إلى مصالح الأمة والخروج بها من واقعها الراهن للتخلص من ربقة التمزق والتبعية، والتَّحرر من سطوة الأنظمة القهرية، ذات الألوان القاتمة، والحزب الواحد والقائد الخالد!!.
 فهل ياترى نعي نحن الإسلاميين الواقع ونتفهم الحال باستخدام فن الممكن والدخول إلى معترك السياسة والديمقراطية والخوض في حلباتها والولوج إلى صناديقها؟؟
 أم نرضى أن نكون على هامش الأحداث مجسدين الضحية في أفلام الرعب والقهر نتجرع الآلام ونعيش الأحزان بعد أكثر من نصف قرنٍ من التهميش، والإقصاء، والتصفية، والإفناء فكفانا كفانا !!.
 
 
 
 
 

المراجع

عودة و دعوة دوت كوم

التصانيف

تاريخ  أحداث