ليست قضية كبار السن متعلقة بالرعاية الصحية والاجتماعية المباشرة للمحتاجين منهم، ولكنها متصلة بشريحة من المجتمع تقترب نسبتها من 10% من السكان، صحيح أن الكثير منهم يملكون فرصا لإعالة أنفسهم، أو العيش ضمن أسرهم، ولكنهم يحتاجون إلى منظومة واسعة من العمل والسياسات أوسع بكثير من مفهوم العناية المباشرة، وأشمل بكثير من العناية الخاصة التي يحتاجها بعضهم.
ربما تكون الحالات الواضحة عن ضعف الصحة والعزلة هي الأكثر هيمنة في وسائل الإعلام وفي أذهان الناس، ولكن لا يلتفت كثيرا إلى ضرورات التكيف النفسي والاجتماعي لكبار السن بعد تقدم السن أو التقاعد وتغير الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتفرق الأسرة بسبب الزواج والسفر والعمل، أو عدم ملاءمة البنى التحتية والمرافق لاستخدامات كبار السن، أو غياب نوع من المؤسسات الاجتماعية والثقافية الضرورية، فليس ما يحتاجه كبار السن فقط هو الرعاية المباشرة، ولكن الكثير منهم ممن يتمتع بصحة جيدة أو معقولة ويمتلك دخلا ويعيش مستقلا أو مع أسرته بحاجة إلى مواصلة حياته وعطائه وشعوره بأنه جزء من المجتمع والحياة المحيطة والاستمتاع بالحياة.
وتحتاج المجتمعات والأسر إلى تأهيل وتدريب شامل للتعامل مع كبار السن، فهم يتعرضون في المجتمع إلى إساءات كثيرة، بعضها يبدو ليس كذلك، وربما تكون الشفقة على سبيل المثال مؤذية لهم أكثر من السخرية والإهمال والتجاهل.
ويحتاج كبار السن أنفسهم أيضا إلى تأهيل يلائم التحولات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تطرأ عليهم، ويساعدهم على التكيف معها، ويدربهم على مواجهة كثير من المتطلبات في الصحة والرعاية الذاتية والتغذية، وبعكس ما هو شائع أيضا فقد ثبت أن كبار السن مهما بلغ عمرهم يستطيعون أن يواصلوا التعلم والتدريب البدني، وأن مهاراتهم الفكرية والجسدية والنفسية يمكن أن تواصل نموها، ولم تعد مقولة توقف العقل والجسم عن القدرة على النمو صحيحة أو يعتد بها.
تتأثر حالات تكيف كبار السن وانسجامهم مع البيئة المحيطة بهم وقدراتهم على ممارسة حياة كريمة وسعيدة بالعادات والتقاليد السائدة، والثقافة الذاتية والاستعداد المسبق لهذه المرحلة، وهذه قضية يجب أن يأخذها كل إنسان بالاعتبار، فيعد نفسه لمرحلة ما بعد التقاعد أو تقدم السن، ومن ذلك الادخار والمشاركة في صناديق التقاعد، وممارسة وتطوير الهوايات والأعمال الفردية، والتدريب الذاتي المتواصل، والعادات الصحية التي تحمي الجسم والصحة، كالتغذية المناسبة، ومراقبة الوزن والمشكلات الصحية المعتادة، كالسكري والضغط وضعف السمع وضعف البصر.
ومن المعلوم أن تقدم السن يزيد الإنسان تمسكا بالعادات والتقاليد واهتمامه بآراء الناس، ومن الضروري هنا أن تتشكل ثقافة قائمة على احترام كبار السن واستشارتهم ودمجهم ومشاركتهم في الحياة العامة والاجتماعية، فالمنظومة الثقافية من الأفكار والعادات والتقاليد والقيم والأعراف لا تتكون تلقائيا كما يبدو للوهلة الأولى، ولكنها تعبير عن وعي مسبق للذات ولما يريده الإنسان، وهي تتحول وتتغير بسرعة كبيرة وفقا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي بعض الأحيان استجابة لأحداث طارئة كبرى مثل الحروب والكوارث.
في الغرب تتشكل مجتمعات ومؤسسات كبار السن على نحو مقبول ومتعارف عليه، ولا يرتبط الذهاب إلى هذه المؤسسات المختلفة بالعجز او تخلي الأسرة، ولكنها تمثل في الغالب وجهة نظر معظم الناس، وتساعدهم أكثر على الاستقلال والتكيف، والواقع أنه أسلوب حياة يمنح كبار السن احتراما واستقلالا أكبر، لأنه في معيشته مع ذويه يفقد كثيرا من استقلاله وخصوصيته، وربما يتعرض لإساءات كثيرة غير منظورة أو لا يلاحظها مرتكبوها، ولكن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مازالت هذه المؤسسات تمثل استثناء وليست الأصل، وفي هذه الحالة يجب التفكير كثيرا بأنماط الإساءة التي يتعرض لها كبار السن، ويقع أغلبها في دائرة ضعف الخبرة والتأهيل، وعدم القدرة على ملاحظة احتياجات كبار السن، وهنا فإننا نحتاج إلى سلسلة طويلة ومتداخلة من الأفكار والأعمال التي يحتاج عرضها إلى مساحات وحلقات من المعالجة الإضافية والمتواصلة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد