يمكن القول إن كل العمليات السياسية والعسكرية في السنوات الأربع الأخيرة (على الأقل) كانت تهدف في الحقيقة إلى إقناع إسرائيل أو دفعها للتفاوض مع حماس وسورية وحزب الله، ولم تعد هذه المقولة تحليلا أو استنتاجا، فواقع الحال والتصريحات السياسية والإعلامية والأداء العام يؤشر بوضوح على أن الهدف من استخدام القوة السياسية والعسكرية هو التأكيد على عدم تجاهل هذه القوى السياسية أو تجاوزها في التراتيب الإقليمية، وكان قدر هذه القوى السياسية والإقليمية أنها بدأت في الاتجاه نحو التسوية السياسية عندما أعرضت عنها الولايات المتحدة وإسرائيل أو أنهما دخلتا في مرحلة من فقدان البوصلة وضياع التماسك السياسي بل والتمزق السياسي في إسرائيل، ولذلك فإن المفاوضات السياسية ونتائجها تعتمد اليوم على وجود شريك إسرائيلي قوي ويحظى بدعم الأغلبية، وأما المفاوضات السورية الإسرائيلية فإن تحريكها يعطي أولمرت فرصة لكسب التأييد واستعادة توازنه وإطالة عمره، لأن المسار السوري في المفاوضات يمثل إجماعا إسرائيليا وتؤيده جميع القوى السياسية والشعبية في إسرائيل بعكس حماس وحزب الله، ولكن أولمرت في حالة من الضعف والهزيمة لم يعد ينفعه معها انتصارات سياسية وعسكرية، وعلى الأغلب فإنه سيرحل تركا القيادة لتسيبي ليفني، فهذا هو الشرط المنطقي لنجاح المفاوضات وامتدادها إلى المسارات اللبنانية والفلسطينية، ولأن الولايات المتحدة بقيادة بوش اليوم متلهفة على تحقيق مكاسب واختراقات سياسية في الشرق الأوسط تنقذ الجمهوريين في معركتهم الانتخابية فإن التضحية بأولمرت تبدو عملا لا مفر منه.
السؤال هل ستقبل حماس بدولة أو سلطة فلسطينية على أجزاء من الضفة وغزة ومقابل ماذا؟ وماذا عن حق العودة والقدس؟ والواقع أن السؤال الحقيقي هو هل تقبل إسرائيل، فالمشكلة في إسرائيل وما تقبل به وما ترفضه.
التسوية المتوقعة ستكون عمليا بلا عودة ولا قدس ولا انسحاب كامل، ولكن ستظل حماس تقول إنها لم تتنازل عنها وأن ما جرى هو هدنة طويلة الأجل، وستظل إسرائيل تقول إنها لن تقبل بعودة الفلسطينيين ولن تنسحب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 وإن كان أولمرت قد أشار إلى إمكانية ذلك، فما سيحدث هو أمر واقع يعلق المسائل الكبرى، ولكن ثمة ما يريده الطرفان، وقف العمليات العسكرية واستئناف الحياة الاقتصادية والتعليمة وإنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني وإطلاق سراح الأسرى أو معظمهم، ولا بأس بعد ذلك أن يظل الإعلام يؤكد عدم تخلي حماس عن المقاومة ولا عن أي شبر من أرض فلسطين، ويظل الإعلام الإسرائيلي يؤكد على يهودية الدولة وعدم القبول بالعودة ومركزية القدس، فالطرفان يريدان في الحقيقة العودة إلى ما قبل عام 1987، حالة من التعايش والاستقرار ورهانات خفية بعيدة الأجل.
فالفلسطينيون يأملون أن تتغير موازين القوى العالمية والإقليمية ولأجل ذلك فإنهم بحاجة إلى نفس طويل وإستراتيجية المسافات الطويلة وأن يكونوا مستعدين لتلك اللحظة عندما تأتي، والإسرائيليون يراهنون على تغيير الفلسطينيين واستيعابهم، ففي المدى البعيد للدولة الإسرائيلية يعتمد بقاءها واستقرارها على اندماج فلسطيني إسرائيلي يأمل الإسرائيليون أن يظلوا في قيادته أو ألا يتعرضوا للمجازر والإبادة إذا تغيرت موازين القوى، فإذا حدث هذا التعايش فإن الفلسطينيين سوف يتوطنون في الخارج تلقائيا، وأما الباقون في فلسطين فإنهم سيشاركون اليهود في دولة واحدة، ويتحول الصراع إلى تنافس و/ أو تعاون سلمي داخلي تتغير خرائطه واتجاهاته، فقد يتعاون العرب (اليهود والمسلمون والمسيحيون) في مواجهة الغربيين (وهم في الحقيقة أتراك وليسوا أوروبيين)، وبالنسبة للقيادة الفلسطينية الجديدة (حماس) فإن المعركة السلمية والسياسية ستتيح للفلسطينيين التقاط أنفاسهم ومداواة جراحهم والبحث عن ممكنات ورهانات جديدة، وعلى أية حال فلم تكن المقاومة المسلحة خيار الحركة الإسلامية الفلسطينية إلا في مرحلة متأخرة، وللتاريخ فقد كانت مشاركة الإخوان المسلمين في العمل الفدائي في أواخر الستينات تلقى معارضة إخوانية فلسطينية تشبه الرفض الجذري.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد