من أغرب ما يثار حول جماعة الإخوان المسلمين، ما يقوله البعض بأنها «صناعة أميركية» وهذه تهمة ليست جديدة على الإخوان، فقد سبق واتهموا بأنهم صناعة بريطانية، واجتهد اصحاب هذه «النظرية» في حشد أكثر ما يستطيعون من «أدلة» عبر رصد أي تصريحات أو لقاءات، او معلومات ضمتها بطون الكتب، والتصريحات، المبثوثة هنا وهناك

طبعا الاتهامات لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزتها إلى ما هو أخطر من ذلك، فقد ألحقت الجماعة بما يسمى «الإرهاب» وتم ربطها بسلسلة عمليات قتل هي إرهابية فعلا بكل المقاييس، ومن غريب الأحوال، أنك تجد نخبا وإعلاميين يصدقون ان الجماعة كذلك، وأول ما ينقض هذا الكلام الفارغ، أن رصاصة واحدة لم تطلق اثناء عمليات اعتقال الآلاف من قادتها وأعضائها، ولو كانت الجماعة «إرهابية» فعلا أو عنيفة، لما استسلم كل من اعتقل من أعضائها، ومد يديه لزوار الفجر لوضعها في الأغلال طواعية وبمنتهى التسليم والاستسلام، ونحن نعرف ان أي شخص عنيف او من اصحاب السوابق، يبادر فورا باطلاق النار على من يريد اعتقاله، فكيف تستقيم فرية العنف والإرهاب، مع ما شهدناه من «وداعة» إخوانية أثناء عمليات الاعتقال والدَهم؟

هذه واحدة، أما الثانية، فهي كونهم صناعة اميركية، ويعملون بالتنسيق مع إدارة اوباما، وذهب بعض «الأذكياء» في هذا مذهبا فيه من الحمق ما فيه، حينما زعموا أن شقيق أوباما من «الجماعة» فضلا عن إلصاق تهمة الانتماء لها، بعدد غير معروف من الصحفيين الأجانب، من غير المسلمين أصلا، ناهيك عن اتهام نشطاء علمانيين وربما غير مسلمين بالتهمة ذاتها، بل بلغ الأمر ببعض عباقرة الإعلام المصري أن تحدثوا عن محور غزة-تل ابيب- واشنطن الإرهابي، الذي يستهدف مصر، وما أكثر ما يزخر إعلام مصر بمثل هذه الترهات، وهنا، أتوقف عند موقفين وردا الأول في الصحافة المصرية ذاتها، ينقضان كل ذلك الكلام الفارغ.

الأول، ما نشرته جريدة «الشروق» المصرية يوم السبت، من تصريحات لدبلوماسي أمريكي، حول حقيقة علاقة الإدارة الأمريكية بالإخوان، حين قال «نعم نتواصل مع الإخوان في الداخل والخارج»، وينقل رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «الشروق» حسين عماد الدين عن الدبلوماسي الأمريكي، قوله إنه من المستحيل تصور أن تتحالف بلاده مع تيار الإسلام السياسي لأسباب متعددة يدركها الجميع، وأن بلاده تعاملت مع جماعة الإخوان المسلمين لأنها التي وصلت إلى السلطة، ولو فاز الشيوعيون بعد ثورة شعبية لكانت بلاده تعاملت معهم، واعترفت بهم وعندما قالت الشروق إن بلاده فعلت الأمر نفسه، ورفضت التعامل مع حركة حماس عقب فوزها بانتخابات ديمقراطية في فلسطين عام 2006، قال الدبلوماسي: «إن ذلك كان في عهد جورج بوش، وليس في عهد أوباما المختلف كليا»، معترفا أن موقف بلاده لم يكن مشرفا في الجزائر عندما تمت الإطاحة بجبهة الإنقاذ الإسلامي الفائزة بالانتخابات عام 1992، وفلسطين عندما فازت حماس بالانتخابات 2006، وكذلك مع تركيا في أثناء الانتخابات التي جاءت بنجم الدين أربكان، وحزبه المتحدر من أصول إسلامية، ويقول ايضا «أي شخص يدعي أن لنا دورا في أحداث الربيع العربي لا يفهم شيئا». وفي المقابل، يكرر الدبلوماسي الأميركي الحديث عن العلاقات الطيبة التي تربط بلاده مع الجيش المصري، خصوصا أن 70 ألفا من العسكريين المصريين تلقوا تدريبات مختلفة في الولايات المتحدة

فمن هو الذي يمكن ان يقال عنه، إنه «صناعة اميركية»؟

أما الثاني، فمقال نشرته صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، للكاتب بريندان أونيل يقول فيه: «إذا نظرنا إلى الوراء وعلى مدار العام 2013؛ لنعثر على الشخص أو التنظيم الذي قام بمعظم الجهد للحفاظ على المثل العليا للديمقراطية والحرية، والذي يجب أن يفوز بالجائزة الكبرى لدفاعه عن الحقوق الديمقراطية في مواجهة الاستبداد وإنهاء الحكم الفردي الاستبدادي، فإني لا أستطيع أن أصدق نفسي وأنا على وشك القول، إنها جماعة الإخوان المسلمين، أو على الأقل مؤيدوها في مصر». ويرى الكاتب في مقاله تحت عنوان «الإخوان المسلمون، أمر يصعب تصديقه»، أن «أكثر من أي مجموعة من البشر على وجه المعمورة.. جازفت الجماهير المصرية المؤيدة للإخوان المسلمين بالتضحية بأرواحها وبأجسادها عام 2013، في محاولة للحفاظ على المبدأ القائل، إن من حق أفراد الشعب أن يختاروا قادتهم السياسيين».فهل بقي بعد هذا الكلام كلام؟؟

 

بقلم حلمي الأسمر


المراجع

jo24.net

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية