نخطىء حين نتخيل بأن مشكلتنا مع “اللجوء” السوري الى بلدنا مشكلة “استضافة” تخضع لاعتبارات إنسانيّة مقدرة ومفهومة، لانها لو كانت كذلك، لفتحنا ابواب بيوتنا لاستقبالهم، كما فعلنا على امتداد تاريخنا الذي شهد موجات من “اللجوء” حتى صار هذا “اللجوء” واحداً من أقدارنا، لكن المشكلة أبعد واعمق من ذلك، وأخاف ما أخشاه ان نصحو، بعد انقضاء الوقت، على حقيقة ما فعلناه بانفسنا، لا على صعيد الأمن الذي تنازلنا من اجله عن كثير من مطالبنا الاصلاحيّة، وانما على صعيد حالة مجتمعنا، التي تعرضت بسبب هذا اللجوء لاصابات واضرار لا حصر لها، سواء في مجالات الاقتصاد او القيم او الديمغرافيا او حتى الاحساس بأننا في بلد يقدم مصالح مواطنيه على ما سواها من الاعتبارات.
لا نريد ان نقلّب المواجع، لكن دعونا نعترف بأننا اخطأنا مرتين: مرّة حين فتحنا ابوابنا على مصراعيها لهذه الاعداد الكبيرة من “اللاجئين” على عكس دول اخرى اقرب واقدر منا على استقبالهم.
وتحملنا من اجل ذلك ما لاطاقة لنا به، ابتداء من الاتهامات التي جرحت سمعتنا، الى التكلفة الامنيّة التي شكلت عبئاً على اجهزتنا، باستثناء عن استنزاف مواردنا الفقيرة وبنانا التحتية والتعليمية والاجتماعيّة، فيما كانت النتيجة ما شهدناه امس الاول في “الزعتري” من اشتباكات وجرحى في صفوف اللاجئين و رجال الامن، وتدخلات من منظمات حقوق الانسان لتعليمنا مبادىء حقوق الانسان.
كما اننا اخطأنا مرّة اخرى حين اعتقدنا بأننا نقدم خدمة للشعب السوري فيما الحقيقية اننا قدمنا هديّة “للنظام” السوري الذي هو السبب الرئيس في تهجير مواطنيه، فقد تحملنا بالنيابة عنه مهمة القيام بهذا الدور وتحمل اعبائه فيما لم نسلم من اتهاماته ومن محاولاته لتحويل هذه المخيمات الى “بؤر” وخلايا نائمة لاستخدامها وتوظيفها ضدنا وقت الحاجة.
اخطأنا مرّة ثالثة ايضاً حين تركنا لهذه “الملاذات” التي تحولت من مخيمات للجوء الى “بؤر” ساخنة لتصدير الجريمة والانفلات ان تتمدد وتتداخل، وأن تجري فيها اسوأ عمليات التهريب والمتاجرة “بالبشر” وان تصبح “ملجأ” للمتطرفين وتجار المخدرات، فيما اغمضنا اعيننا قبل ذلك عن “تجار” الحروب الذين دخلوا باسم “العطاءات” والمساعدات، لدرجة ان البعض أثرى من وراء ذلك.
قد يلاحظ القارىء الكريم انني تعمدت عدم الاشارة الى “السياسة” التي هي سبب المشكلة، ظناً مني ان توظيف “المخيم” كورقة سياسية اصبح مكشوفاً، ولا حاجة الى التعليق عليه.
أرجو ان لا يتهمني أحد بأنني لا أقدر اوضاع اشقائنا الانسانيّة، او انني اريد ان احمّل هؤلاء الضحايا مسؤولية ماهم فيه، او انني تحررت من الحسّ الانساني الذي يتطلب تقديم مايلزم من مساعدة لهؤلاء الذين اضطرتهم ظروف الحرب للهجرة بعد ان تركوا وراءهم كل شيء، لا ابداً، فأنا ادرك ذلك واقدره، ولكنني لا استطيع ان اتجاوز مسألتين: احداهما ان مشكلة “اللجوء” التي جرت(وما تزال تتفاقم) كانت اكبر من قدرة بلدنا على تحملها في ضوء ما نعرفه عن امكانياتنا المتواضعة، وبالتالي فهي مشكلة انسانيّة وعربية ودوليّة، ويفترض ان يكون حلها وفق هذا الاطار، ومن المفارقات ان الدول الشقيقة وكذلك الجامعة العربية والمؤسسات الدوليّة التي تطالبنا بأن نقوم بواجبنا الانساني لم تتحرك للقيام بواجبها ، كما ان الدول التي ترتبط بعلاقات طيبة مع النظام السوري اغلقت حدودها، اما الدول الاخرى المجاورة فحددت اعداد اللاجئين واكتفت اخرى بتقديم المساعدات عن بعد…وبالتالي فإن من الاجحاف ان نتحمل وحدنا هذا “الطوفان” وان نقبل بأن ندفع ثمنه على حساب امننا الذي لا نملك غيره، اما المسألة التانية فهي أن اخواننا اللاجئين لم يلتزموا بأصول “الضيافة” فلا النظام الذي استمر سفيره في بلدنا ومسؤولوه يتحرشون بنا في كل مناسبة،ردّوا علينا التحيّة بمثلها، ولا هؤلاء “الضحايا” الذين قمنا بالواجب تجاههم حفظوا “الجميل” وقابلوه بأقل ما يمكن للضيوف ان يفعلوه في بيوت من استضافوهم.
حسب الاحصائيات الرسميّة، لدينا نحو مليون وثلاثمئة الف سوري، منهم نحو 600 الف لاجىء (20%) منهم موجودون في 5 مخيمات، وهؤلاء يشكلون ما يعادل 21% من عدد سكان الاردن، وتحمل الاردن خلال العامين المنصرفين نحو 600 مليون دينار، ومن المفارقات انه لا يوجد اي مرجعية محددة لادارة هذا الملف خاصة وان الهلال الاحمر الاردني جرى تغييبه، الامر الذي عقّد مسألة المساعدات والمنح، والزم الدولة الاردنيّة يتحمل هذه المسؤوليّة بما تحتمله من اخطاء وارباكات.
باختصار، ماجرى في الزعتري يجب ان يفتح عيوننا على حجم “المشكلة” واخطارها، وان يدفعنا الى التحرك “لادراة” هذا الملف الغامض، ليس دفاعاً عن سمعة بلدنا الذي وقع في”الفخ” وانما ايضاً دفاعاً عن امننا الوطني، وعن حقوق وكرامة اللاجئين، وعن حق المواطن الاردني في الحفاظ على حقوقه وامنه الاجتماعي ايضاً.
المراجع
alnasnews.com
التصانيف
صحافة حسين الرواشدة مقالات أدبية الآداب لجوء