أنهت اللجنة القانونية أمس نقاش مشروع قانون الأحزاب، وأجرت عليه تعديلات حسّنت النصّ القادم من الحكومة، وخصوصا قيامها بإلغاء النصوص العقابية المفرطة، وتعديل النص حول التمويل العام بربطه بالانتخابات ونتائجها. وبالمحصلة، فالقانون جيد ومعقول، ونأمل أن يقره مجلس النواب حين يعرض عليه- ربما في الجلسة القادمة.
لكن في كل الأحوال، فهذا القانون وحده لن يغيّر في واقع الحياة الحزبية إذا لم يكمله قانون انتخاب من نوع مختلف. وقد درج رئيس الوزراء أن يقول لنا إن القوانين بذاتها لا تصنع تنمية سياسية وأحزابا، ويبدو هذا قولا حكيما وصحيحا، لكنه في الحقيقة ليس دقيقا ولا مطلقا، ويضمر أحيانا نزعة محافظة لا ترغب في تقديم استحقاقات التطوير السياسي، وهو ما يوضحه النقاش حول قانون الانتخاب. وأعتذر للقارئ إذ أعود مجددا إلى هذا الموضوع، لكن الحكومة بصدد تقديم مشروع قانون الانتخاب لمجلس النواب غدا أو بعد غد، أي إننا على مسافة ساعات فقط من ظهور الدخنة البيضاء لمشروع القانون العتيد.
هناك إجماع سياسي وحزبي على إدخال النظام النسبي، كليا أو جزئيا، على النظام الانتخابي. وقد قامت لجنة الحوار الوطني بجعل النظام كله قائما على النسبية، وفق صيغة القوائم المفتوحة في المحافظات. وما أزال أرى أنها الصيغة المثلى، مع إمكانية تحويلها من قوائم مفتوحة إلى حرّة، أي تمكين المواطن من اختيار مرشحيه من أكثر من قائمة ومن المستقلين، لكن النتائج في النهاية تحسب نسبيا –وفق الصيغة السويسرية– التي لفت بعض الإخوان نظري إليها ووجدتها ممتازة وعملية، وهي بالطبع لا تخص مجتمعا متقدما، بل على العكس فإنها تناسب تماما مجتمعا لم تتطور فيه الحياة الحزبية. وفي النهاية، فالهدف أن نضمن تمثيلا واسعا ومتوازنا للجميع، وعدم هدر الأصوات، وتلاقي المرشحين في تحالفات حقيقية، ومنع قوّة واحدة منظمة من التفرد بأغلبية المقاعد؛ والعدالة يجب أن لا تُغضب أحدا.
الرئيس المنحاز للنظام الأغلبي بدأ تحت الضغط يفكر في منح ما يقارب 15 مقعدا للقوائم الوطنية المغلقة، تتنافس عليها الأحزاب على هامش النظام الأساسي، وهو النظام الأغلبي في الدوائر. ونحن لا نريد استرضاء الأحزاب الموجودة ذاتها، وهي لا تمثل بأغلبها المجتمع، بل نريد مشاركة شعبنا وأغلبية فعالياته التي ما تزال تعمل خارج الإطار السياسي المنظم؛ فهؤلاء هم الهدف، وهؤلاء من نريد اشتراكهم في أطر سياسية لتحقيق برلمان يقوم على تجمعات سياسية برامجية. ولذلك، نحن لا نشتري إطلاقا تلك البضاعة الفاسدة المتمثلة بالمقاعد المحدودة المخصصة لتنافس الأحزاب خارج المنظومة الرئيسية للنظام الانتخابي. وبالمناسبة، الفكرة ليست جديدة، بل مطروقة منذ عقد ونيف من الأوساط المحافظة جدا غير المعنية بتطوير وتنمية الحياة السياسية. لكن ليس معقولا في آخر الزمن أن نعود إلى تلك البضاعة القديمة ونحن في زمن الإصلاح والتغيير الشامل!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة