كنت أتمنى ترتيبا أفضل لرحيل مجلس النواب السادس عشر. أولا، أن يكون قد قدم للانتخابات المبكرة بما يجعلها قفزة إصلاحية حاسمة، من خلال قانون انتخاب متطور. وثانيا، أن يكون أنجز مجموعة من القوانين الاقتصادية-الاجتماعية المهمة جدا، وبمحتوى إصلاحي واضح. لكن بدلا من ذلك، أعاد البرلمان قانون الصوت الواحد، وخرب دور النظام النسبي بجعل القوائم مغلقة، وتعطلت قوانين اقتصادية–اجتماعية رئيسة، مثل ضريبة الدخل، والضمان الاجتماعي، والمالكين والمستأجرين. وأنا أكتب المقال ولست متأكدا من حدوث نصاب لجلسة هذا المساء (أمس). وإذا تم "تفشيل" النصاب مجددا، فستكون ضربة قاصمة أخيرة لصورة المجلس المتردية في الأصل.
أعترف أنني لا أكن أي مشاعر أسف على رحيل المجلس السادس عشر، وأستعجل طي صفحته مع ذكريات غير حلوة، خصوصا عن النصف الثاني من عمره. ولا ألوم المجلس بذاته، فهو صنيعة الحكومات والثقافة المجتمعية.
الإصلاح والتغيير كانا ضرورة حتمية، وكان باستطاعة المجلس أن يندفع بهذا الاتجاه في ظلّ مناخات الربيع العربي وموجة التغيير. وهو قد تأثر بصورة ما في سنته الأولى، وكان هناك زخم في العمل يمكن التفاؤل به، رغم آليات العمل الرديئة التي تهدر الوقت والجهد وتقلل الفعالية. لكن المجلس ارتد كثيرا في سنته الثانية، وبدا أن القبضة قد أُحكمت عليه، بما في ذلك في الجانب الإداري، ولم نعد نطمح إلى أي إنجاز تقدمي من المجلس، بل على العكس بتنا ننتظر الخيارات الأكثر رجعية وعداء للديمقراطية والمصالح الشعبية. وعلى سبيل المثال، انتقل المجلس في موضوع الفساد من الحماس لمكافحته إلى حمايته والدفاع عنه. وقد تدهور الأمر إلى درجة أننا لم نعد نطمح إلى أكثر من السلوك المحترم تحت القبة، حيث أصبحت التصرفات الشاذة  تمر بدون مساءلة أو حساب.
وكان الفشل الأول للمجلس هو في إصلاح نفسه. ومنذ أول يوم، كان واضحا لنا أن قيام المجلس بدور أفضل، حتى ضمن تركيبته المعروفة، يقضي بإصلاح لنظامه الداخلي؛ وهو نظام قديم متهافت يهدر الوقت ويعطل الإنجاز ويكبح فعالية الدور الرقابي والتشريعي. وبقينا نلح، مع زملائي في كتلة التجمع الديمقراطي، من أجل نظام داخلي جديد عصري وديمقراطي. وقد كان رئيس المجلس مؤيدا بوضوح لذلك، ولكن تعطيلا غامضا ومراوغة استمرا أشهرا قبل أن ننتزع قرارا من المجلس بالأمر؛ وأشهرا أخرى حتى تمكنا من تشكيل لجنه خاصّة تقدم مشروع نظام داخلي جديدا. وقد قدم المشروع للجنة القانونية لينام في ادراجها. وها هو المجلس يغادر ونحن على النظام القديم. وكان ذلك أبلغ تعبير عن نفوذ قوى الشدّ العكسي المعادية للإصلاح على المجلس.
التجربة مع هذا المجلس غنية بالدروس، وقد عززت قناعتنا وصلّبتها بأنه لم يعد ممكنا إطلاقا المضي قدما بنوع النيابة الذي كان سائدا. وقد شاءت المصادفات أن نرى في هذا المجلس مفارقات فاقعة، عمقت وعي الناس بقضية التغيير.
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة