حال الأردن مع الأزمات المحيطة وموجات اللجوء، ملتبسة ومليئة بالمفارقات. فقد قيل دائما إن مصائب الآخرين فوائد للأردن؛ إذ تهجّر إليه المؤسسات والشركات والرساميل الباحثة عن الأمن والاستقرار، ويأتي كبار الأثرياء الهاربين بنقودهم، وحتى صغار أصحاب الأعمال الذين يوسعون السوق بالمشاريع والمحلات التي تلبي حاجة العدد الكبير من المستهلكين الجدد، ومنهم اللاجئون الفقراء الذين يحصلون على إعانات دولية تُستهلك في السوق المحلية.
لكن قد يكون الأمر مختلفا هذه المرة مع الأزمة السورية، حتى لو لم يكن جميع السوريين القادمين لاجئين معدمين. وهناك بالفعل من لديهم المال، ويشترون أو يستأجرون بيوتا (أثاروا أزمة سكن غير مألوفة في بلدات الشمال). وهناك أرقام استثمار تشير إلى زيادة ملحوظة لاستثمارات السوريين في الأشهر الأخيرة، لكنها لا تصل أبدا إلى مستوى الظاهرة العراقية.
لقد عكست مداخلات النواب في جلستي أمس وأول من أمس، المخصصتين لهذه القضية، مناخا سلبيا للغاية، وإحساسا بوطأة المشكلة وخطورتها؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على البلاد. أما مداخلة رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، في بداية المناقشة العامة، فقد أرخت ستارا كثيفا من التشاؤم. وقد قدم الرئيس أرقاما حالية ومتوقعة مثيرة فعلا للقلق. وهناك أكلاف منظورة وغير منظورة منهكة للبنية التحتية، ولموارد البلاد المحدودة، كالماء والكهرباء ومصادر التموين، ومختلف الخدمات المدعومة من الدولة. وهناك المخاطر على مصادر المياه الجوفية، والمخاطر الصحية والبيئية، والكلفة الأمنية الباهظة الحالية والمقبلة.
لم نكن بصراحة نعتقد أن هناك أكثر من 600 ألف سوري مقيم في المملكة قبل الأزمة. يضاف إليهم الآن حوالي 465 ألف لاجئ بعد الأزمة، منهم مائة ألف فقط في المخيمات. وقد يصل عدد اللاجئين، وفق المسار الحالي وحتى نهاية العام، إلى مليون لاجئ، سوف تستوعب المخيمات الجديدة قيد الإنشاء جزءا منهم فقط، بينما الباقي سيتوزع على مدن وبلدات الشمال التي تغص سلفا بهم.
سيكون لدينا، إذن، عند نهاية العام أكثر من مليون ونصف المليون سوري، وأنا لا أرى الرقم مبالغا فيه. والأسوأ أن سقوط نظام بشار الأسد لن ينهي المشكلة. وبالنظر إلى واقع الحال القائم الآن، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو انفتاح صراع داخلي رهيب لا يقل دموية، بين الطوائف المختلفة، وبين الجيش الحر وجيش النصرة والجماعات الأصولية المتشددة التي لن تلقي السلاح، بل ستعمل على اغتصاب السلطة بدون أن تلقي بالا لأي تفاهمات سياسية، وأي مشروع وطني لبناء نظام ديمقراطي يستوعب الجميع، وتتعايش فيه سلميا جميع الفئات.
وقد قدم الرئيس وصفا مقلقا للأكلاف المترتبة على اللجوء السوري، وللضغط الهائل على البنية التحتية. وقد بات عدد السوريين في بعض البلدات مساويا لعدد الأردنيين. وحتى الصفوف المدرسية باتت تعمل بنظام الصباحي والمسائي، بينما تتفاقم مشاكل اجتماعية خطيرة. وكل ذلك بدون أن نتحدث عن المخاطر الأمنية المقبلة التي ستتطلب توظيفا أمنيا مضاعفا عدة مرات، بالرجال والتجهيزات، لمواجهتها؛ ولا يمكن أبدا توقع أبعادها بوجود هذا التجمع من القوى "القاعدية" والمتطرفة على الجانب الآخر من الحدود.
لقد قدمت الكثير من الاقتراحات في نقاشات النواب، وهي لا تضيف كثيرا نوعيا عما لدى الحكومة، باستثناء المقترح الذي يتم التعامل معه بكثير من التحفظ، وهو إنشاء منطقة لجوء ومخيمات آمنة على الجانب السوري من الحدود، تحت إشراف الأمم المتحدة، يقدم لها الأردن كل الدعم اللوجستي المدفوع الكلفة من المجتمع الدولي. ومن وجهة نظري، فإن هذا هو البديل الجذري الوحيد الذي يجب الضغط من أجله على القوى الدولية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة