إطلاق “بعبع” الارهاب في المنطقة يمكن ان يفهم في سياقين: احداهما اشهار نعي الثورات العربية من خلال الايحاء للرأي العام بأن ما جرى لم يكن اكثر من “انتصار” للقاعدة واخواتها، وبالتالي فإن المطلوب من الشعوب العربية أن تختار بين “الارهاب وبين الاستقرار”، واذا كانت الجهة التي تمثل الخيار الاول هي “القاعدة” وداعش وبيت المقدس وغيرها من المنظمات التي انحازات “للسلاح” فإن الجهة الاخرى المطلوبة هي الانظمة السابقة او امتداداتها وعلى الشعوب التي تقبلها وترحب بها، امّا السياق الثاني فهو “وضع” اليد على المنطقة واعادة توزيع مناطق النفوذ فيها من جديد، من خلال “بث” الرعب فيها، وهو ما تحاول ان تفرضه الدول الكبرى التي “صنعت” الارهاب ووظفت جماعاته، وفي اطار ذلك يمكن ان نتصور مستقبل المنطقة التي ستخضع لحالة من الصراع بين ثلاثة مشروعات: اولها المشروع الايراني، والثاني المشروع التركي والثالث المشروع الصهيوني، فيما العرب غائبون عن الطاولة بلا مشروع، وهم بالتالي موضوع للنقاش والتقسيم ووظيفتهم الوحيدة “مكافحة” وهم الارهاب الذي دخل الى بلادهم على دبابات “الكبار” وحلفائهم في المنطقة.
هذا لا يعني –ابداً- ان خطر الارهاب لا يداهمنا فعلاً، وان كل ما يحدث في بلداننا من “استعدادات” تشريعية وامنية لمواجهته مجرد اوهام، لا أبداً ،فقد تحركت فعلا “ماكينة” القاعدة بأجنحتها المختلفة لكي تخلط الاوراق في المنطقة كلها، صحيح ان “دوامة “ العنف تحاول ان تملاً فراغ انسحاب “الديمقراطيّة” وأن ترد على حالة الاستبداد والظلم التي تأصلت في البلدان العربية التي انكسرت طموحات شعوبها في الحرية والكرامة، لكن الصحيح ايضاً ان الهدف التي تسعى اليه جماعات العنف لا يتعلق ابداً بالديمقراطية ولا برغبات الناس في التحرر والعيش الكريم، وانما هدفها الاساسي اعادة عقارب الساعة الى الوراء، واستخدام “الناس” بكل مالديهم من قضايا ومشكلات لمواجهة الانظمة وتخويفها..وقتلهم باسم اقامة “دين “ الله على الارض.
في هذا السياق الذي يبدو فيه ( الارهاب) بطل هذه المرحلة و الفاعل الاساسي فيها ،يلاحظ ان موجة من التصريحات الغربية و الاسرائيلية تحديدا بدأت تدور حول ( تخويف) بلداننا من ( القاعدة)، كما يلاحظ أن مهمة مكافحة ( الارهاب) و التطرف أصبحت أولوية لدى معظم بلداننا العربية ، زد على ذلك أن ثمة ( بروفات) تجري على الارض استعدادا لفرض الحلول الأمنية وطي صفحة الحلول السياسية نهائيا.
الأعوام الثلاثة المنصرفة كانت ( فرصة) للشعوب لكي تصرخ وتقول كلمتها، لكن يبدو ان ( الجولة ) انتهت، وأصبح زمام ( المبادرة) بيد الأنظمة و الحكومات، ولكي تنتصر فيها لابد ان يكون ( الارهاب) حاضرا في المشهد لكي تستقيم معادلة المقايضة بين ( الأمن والاستقرار) و بين (الحرية والكرامة) ، الاولى تحتاج الى ( أشباح القاعدة) لكي تقتنع المجتمعات بقدرها المكتوب، والثانية تصبح مجرد ( ترف) ونزق شعبي مادام أن مآلاتها ستفضي الى الفوضى والقتل و الدمار.
لنتذكر أنه تحت عنوان ( مكافحة الارهاب) احتلت أمريكا العراق ودمرت افغانستان، وانقلب العسكر على شرعية الصناديق فعزلوا مرسي وأصبح وزير الدفاع هو ( المرشح الرئيس) و القائد الضرورة ، وأمسك المالكي بزمام الحكم بانتظار فترة رئاسية جديدة ، وخرج النظام السوري من ورطة ( الثورة) الى الصناديق الانتخابية بموافقة الدول الكبرى ومباركة القوى الاقليمية، كل ذلك جرى باسم الحرب على الارهاب... وسوف تتكرر المشاهد في كل بلداننا العربية ، فقد وجد الارهاب أصلا لكي يعيد رسم الصورة من جديد ... تماما كما كانت قبل (3) سنوات و ربما أسوأ.
باختصار ، كان الحل السحري لمواجهة الثورات العربية واجهاضها هو ( الارهاب) وقد ابدع الذين تصوروا للحظة ان الشعوب قادرة على اسقاطهم في هذه ( الصناعة) وإخراجها ، لكن يبقى أن ما جرى لن يكون سوى جولة اخرى في صراع طويل ... لا أحد يعرف حتى الآن من سينتصر فيه ومن يخرج مهزوما ... مع أن التاريخ يذكرنا دائما بأن كلمة الشعوب هي العليا ... وكلمة الذين ظلموا السفلى ... ومع أنه لاشيء يضمن لهذا ( الارهاب) أن ينجح في وظيفته الجديدة .
استأذن في تقديم نصيحة اخيرة وهي ان من واجب من استحضر العفاريت والقرود ان يعمل على طردها بأي صورة، لان قتلها -ناهيك عن توظيفها واستخدامها- سيدفع مئات القرود والعفاريت الى الساحة ..وحينئذ لن يكون بمقدور احد ان يفعل اي شيء..
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة حسين الرواشدة جريدة الدستور