جرت انتخابات لجان مجلس النواب، ثم رئاسات اللجان، بالضبط بالطريقة التي لا نريدها، وكان يجب تجاوزها. وكان من أهم التعديلات الإصلاحية المطروحة على النظام الداخلي للمجلس، صيغة بديلة تضع وراء ظهورنا الطريقة القديمة البائسة لانتخابات اللجان ورئاساتها. لكنّ الذي حدث هو أن المجلس لم يُقر تلك الصيغة البديلة، فأبقى الصيغة القديمة، ووضع الجديدة بطريقة ملتبسة كسبيل اختياري إذا جرى التوافق عليه. وبالطبع، لن نتمكن اختياريا من الحصول على موافقة الجميع. ويمكن لعضو واحد إضافي أن يصر على ترشيح نفسه فوق السقف المقرر لعضوية كل لجنة (أحد عشر عضوا) لنسف أي اتفاق والذهاب إلى الصندوق، حيث تحدث شتى المفارقات، ويكون آخر معيار للاختيار هو التخصص والكفاءة.
ما أصعب الإصلاح! ما أصعب التغيير! يا للمعاناة من أجل الإقناع بالأفكار البديلة؛ بالتجديد، بالتطلع خارج الحفرة إلى المدى الأوسع حولنا! إن الأفكار الرئيسة للإصلاح في النظام الداخلي أُجهضت من دون سبب واضح. ولنتحدث عن آلية تشكيل اللجان بصورة خاصة؛ فليس هناك مصالح قديمة للتمسك بها، بل فقط طرق قديمة يتم التمسك بها من منطلق أن ما يُطرح من جديد هو هرطقة غريبة.
الصيغة البديلة المقترحة كانت تقول بأن تشكيل اللجان لا يتم بالانتخاب العام بل بالتعيين من المكتب التنفيذي، بناء على تنسيب من الكتل، وبالتناسب مع حجم كل كتلة. بهذه الطريقة، فإن المكتب التنفيذي، وهو الهيئة التي تضم المكتب الدائم وممثلي الكتل النيابية، سيطلب من كل كتلة تسمية عضو أو اثنين لكل واحدة من اللجان. والكتلة تنسب الأسماء بناء على تفاهم داخلي حول رغبة كل عضو وتخصصه. وبذلك، فان كل لجنة من اللجان، مثل اللجنة المالية أو القانونية أو لجنة الزراعة أو الطاقة، سيكون موجودا فيها ممثلون عن كل مكونات المجلس، وسيكونون الأعضاء الأكثر اهتماما أو تخصصا بالقطاع. وهؤلاء ينتخبون من بينهم رئيس اللجنة ونائبه والمقرر. وبالضرورة، ستكون الرئاسة نتيجة توافق عدد وافر من الكتل، لأن كل الكتل سيكون لها ممثل واحد، وبالحد الأقصى اثنان؛ إذ إن الأخذ بالتمثيل النسبي للكتل لا يعطي أكثر من ذلك للكتل التي يتراوح حجمها في مجلسنا الحالي بين 15 و22 نائبا. وهذا بعكس ما جرى، ويمكن أن يجري بالطريقة القديمة؛ حيث يمكن أن يكون لكتلة واحدة خمسة أعضاء في لجنة، فيما كتل أخرى غير ممثلة ولا بعضو واحد.
وهذا الاقتراح لتشكيل اللجان ينسجم مع التوجه الإصلاحي لجعل الجهد الجماعي للكتل هو أساس عمل المجلس، وليس جهد الأفراد؛ وأن تكون اللجان هي مطبخ العمل الفعلي بما يوجب أن تكون كل لجنة هيئة مصغرة عن المجلس؛ فيها كل مكوناته، وحيث عضو اللجنة لا يعتبر نفسه موجودا لشخصه، بل ممثل لعدد لا يقل عن 15 نائبا يعود لهم ويضعهم بصورة ما يجري في لجنته، ويناقشهم فيما ينبغي عمله، والمواقف التي ينبغي اتخاذها.
لم يقرّ المجلس هذه الصيغة، فحدث بالضبط ما لا نريده؛ ائتلافات وتحالفات للفوز بعضوية الكتل واستبعاد الغير منها. وهي طبعا ائتلافات سادتها الفوضى واستحالة الضبط، إذ بالنهاية يشتغل كل نائب لنفسه، وتُصرف الوعود وتبرم التعاهدات التحتية الفردية أو حتى الكتلوية ولا أحد يعرف النتيجة. وقد تمثلت كتل بعدد فائض، وأخرى لم تُمثل في غير لجنة. وانسحب الأمر على انتخابات رئاسات اللجان. وقد رأينا مفاجآت، ورأينا غضبا واحتجاجات وانسحابات. ولا يمكن القول إن الأجدر هو الذي نجح دائما. ولعل الصدف وحدها لعبت دورا في خيارات موفقة هنا وهناك. وللحديث صلة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة