أُحاجِيكَ، هل للحُبّ كالدّارِ تَجمعُ، وَللهَائِمِ الظّمْآنِ كالسَماءِِ يَنقَعُ
وَهَلْ شَيّعَ الأظعانَ، بَغتاً فراقُهمْ، كمُنهَلَةٍ تَدمَى جوًى، حينَ تدمَعُ
أمَا رَاعَكَ الحَيُّ الحِلالُ بهَجْرِهِمْ، وَهُمْ لَكَ غَدْواً، بالتّفَرّقِ، أرْوَعُ
بلى، وَخَيَالٍ مِنْ قَتَيلَةَ، كُلّمَا تأوّهْتُ مِنْ وَجْدٍ، تَعَرّضَ يُطمِعُ
إذا زَوْرَةٌ مِنْهُ تَقَضّتْ معَ الكَرَى، تَنَبّهْتُ مِنْ فَقْدٍ لَهُ أتَفَزّعُ
تَرَى مُقْلَتي ما لا تَرَى في لِقَائِهِ، وَتَسْمَعُ أُذْني رَجْعَ ما لَيْسَ تَسمَعُ
وَيَكفيكَ مِنْ حَقٍّ تَخَيُّلُ بَاطِلٍ تُرَدُّ بِهِ نَفْسُ اللّهِيفِ، فَتَرْجِعُ
أعَنْ واجِبٍ ألاّ يُسامِحَ جانِبٌ مِنَ العَيشِ، إلاّ جانِبٌ يَتَمَنّعُ
وَرَيْعُ الشّبَابِ آضَ نَهباً مُفَرَّقاً، وَكَانَ قَديماً وَهْوَ غُنْمٌ مُجَمَّعُ
أُسِفُّ، إذا أسْفَفْتُ أدْنُو لمَطْلَبٍ خَفٍ، وأرَاني مُثرِياً حينَ أقْنَعُ
نَصِيبُكَ في الأُكْرُومَتَيْنِ، فإنّمَا يَسُودُ الفتى من حَيثُ يَسخو وَيَشجُعُ
يَقِلُّ غَنَاءَ القَوْسِ، نَبْعُ نِجارِها، وَساعِدُ مَنْ يَرْمي عن القوسِ خَرْوَعُ
فَلاَ تُغْلِيَنْ بالسّيفِ كُلَّ غَلائِهِ، ليَمضي، فإنّ القَلْبَ لا السّيفُ يَقطعُ
إذا شئتَ حازَ الحَظَّ دونَكَ وَاهِنٌ، وَنَازَعَكَ الأقْسامَ عَبدٌ مُجَدَّعُ
وَمَا كَانَ ما أسْدَى إليّ ابنُ يَلْبَخٍ سوَى حُمَةٍ من عَارِضِ السّمّ تُنْزَعُ
أجِدَّكَ، ما المَكْرُوهُ إلا ارتِقَابُهُ، وأبْرَحُ مِمّا حَلّ مَا يُتَوَقّعُ
وَقد تَتَنَاهَى الأُسدُ من دونِ صَيدِها، شِبَاعاً، وَتَغشَى صَيدَها، وَهيَ جوّعُ
إذا اعتَرَضَ الخابُورُ، دُونَ جِيادِنا، رِعالاً، فخَدُّ ابنِ اللّئيمَةِ أُضرِعُ
وَفي سَرَعانِ الخَيْلِ يُمْنٌ، وزَارَتي أَبيٌّ يُحامي عَنْ حَرِيمي، وَيَدْفَعُ
نُصَارِعُ عَنّا الحادثاتِ، إذا عَرَتْ بِهِ، وَهوَ مشغولُ الذّراعِ، فنَصرَعُ
بمُنْخَفِضٍ عَنْ قَدْرِهِ، وَهوَ يَعْتلي، وَمُنْخَدِعٍ عَنْ حَظّهِ، وَهوَ يخدَعُ
إذا النّفَرُ الجَانُونَ لاذُوا بعَفْوِهِ، تَغَمّدَ مُغْشِيَّ الفِنَاءِ مُوَسَّعُ
لَهُمْ عادَةٌ مِنْ عَفْوِهِ، وَعَلَيْهِمِ جَرَائِرُ جابَوْا أمسِ فيها، وَضَيّعُوا
وَمَا ظَفرتْ مِنهُمْ خُرَاسان ُبالَّتِي أَقامَتْ إِليْهَا بُرهَةً تتَطلَّع
يُحيطُ بأقصَى ما يُخَافُ، وَيُرْتَجَى تَظَنّيهِمُ، أيَّ الأصَانيعِ يَصْنَعُ
بِجدِّ العُلا أَنَّ العَلاَءَ بْن صاعِدٍ عَلا صَاعِداً يقْصُو مَدَها ويفْرَعُ
رَعى المُلكَ مِنْ أَقْطَارهِ ،ومُغَلَّّسٌ عَلى المُلكِ مَنْ وفدَاهُ كِسرىوتُبَّعُ
تَجَهُّمُهُ رَوْعُ القُلوبِ، وَبِشرُهُ بَرِيدٌ يبُشرَى ما يُنَوِّلُ مُسْرِعُ
خَليلٌ، أتَاني نَفْعُهُ عِنْد حَاجَتي إلَيْهِ، وَمَا كُلُّ الأخِلاّءِ يَنْفَعُ
يُشَفّعُني فيمَا يَعِزُّ وَجُودُهُ، وَيَمْهَدُ لي عِنْدَ الرّجَالِ، فيَشفَعُ
سَرَى الغَيثُ يَرْوِي عَزْرُهُ حِينَ يَنبَرِي، وَتَتْبَعُهُ أكْلاؤهُ حينَ يُقْلِعُ
عَدَتْكَ أبا عِيسَى الخُطُوبُ وَلاَ يَزَلْ يُؤاتِيكَ إقْبَالٌ مِنَ الدّهْرِ، طَيّعُ
زَرَعْتُ الرّجاءَ في ذُرَاكَ مُبَكِّراً، وَجُلُّ حِصَادِ المَرْءِ من حَيثُ يَزْرَعُ
وقد زَاحمتْ حظّي الحظوظُ وأجلَبتْ طَوَارِقُ، منها صادِرَاتٌ وَشُرَّعُ
فَما ضَيّعَ التّبذيرُ حَقّي، وَلَمْ يَزَلْ،إلى جانبِ التّبديرِ، حَقٌّ مُضَيَّعُ
وَلَوْلا نَوَالٌ مِنْكَ قَيّدَ عَزْمَتي، لَكَانَ بأبرُجَرْدَ خِرْقٌ سَمَيْذَعُ
وَلانْقَلَبَتْ نَحوَ العِرَاقِ، مُغِذّةً حَمُولَةُ رِفْدٍ مِنْ حَمُولَةَ تُوضِعُ
كأنّ رُكامَ الثّلجِ، تحتَ صُدورِها، جِبالُ زَرُودٍ، كُثْبُهَا تَتَرَيّعُ
قَباطٍ، يَؤودُ اللّيلَ تَحوِيلُ لَوْنِهَا، وَقَد لاحَها صِبعُ مِنَ اللَّيْلِ مُشبَعُ
كأنّ بَيَاضَ السِّنّ، سِنِّ سمَِيرَةٍ، صَبيرٌ يُعَلّى في السّمَاءِ، وَيُرْفَعُ
تَرقى النَّجومَ مَوهِنا مِن وَرائها طَلاَئِحُ قَدْ كادت من الوَاني تطْلعُ
كَأنّ الثُّرَيّا سَابِحٌ مُتَكَبِّدٌ لِجَرْيَةِ مَاءٍ، يَستقِلُّ وَيَرْجِعُ
إذا ما أهَابَتْ عَنْ تَزَاوُرِ جانِبٍ بعَيّوقِهَا، مَزْهُوَّةً، جاءَ يَهرَعُ
تَأيّا مَعَ الإمْسَاءِ، تَتْبَعُ ضَوْءَهُ، وَتَسْبُقُهُ، فَوْتَ الصّبَاحِ، فيَتبَعُ
كأنّ سُهَيْلاً شَخصُ ظَمآنَ جانحٍ مَعَ الأُفْقِ فِي نَهْيٍ من الأرْضِ يَكرَعُ
إذا الفَجْرُ، والظّلمَاءُ حِزْبَا تبَايُنٍ، يُخَرِّقُ مِنْ جِلْبابِهَا ما تُرَقِّعُ
أصِحُّ فلا أُمني بشَكوٍ منَ الهَوَى، وأصْحُو، فلاَ أصْبُو، وَلا أتَوَلّعُ
فَتَذْهَبُ أيّامي التي تَسْتَفِزُّني بِطالاتُها، إنّي إلى الله أرْجِعُ
أثَائِبُ حِلْمٍ أمْ أُفُولُ شَبيبَةٍ خَلَتْ وَأتَى من دونِها الشّيبُ أجمَعُ
وَما خَيْرُ يَوْمَيّ الذي أزِعُ الصِّبَى لَهُ، وأُحَلّي بالنّهَى، وأُمَتِّعُ

 

اسم القصيدة: أحاجيك هل للحب كالدار تجمع.

اسم الشاعر: البحتري.


المراجع

klmat.com

التصانيف

شعر   الآداب