كرم الضيافة واحدة من القيم الراسخة في ثقافتنا الاجتماعية. ثم، لو أن الفرد لم يكن أبدا بطبعه وفي حقيقته كريما، فليس أقل من إنقاذ ماء الوجه مع الضيف. ولا يمكن للفقر وضيق ذات اليد أن يحولا دون القيام بالواجب؛ إدخال الضيف بالترحيب والتهليل، وتدبير الضيافة بأي وسيلة! هذا أمر لا تساهل فيه ولا تسامح. 

 

وهذه الثقافة لا تنعكس فقط في السلوك الشخصي للأفراد، بل المدهش أيضا تجليها في السلوك العام على مستوى الدولة. وحسب رصدي الشخصي منذ زمن بعيد، ألاحظ مثلا كيف تتصرف الحكومة والديوان الملكي مع ضيوفهما؛ إنهما تماما مثل المواطنين. والمسؤولون في نهاية المطاف هم مواطنون يطبقون الثقافة والقيم التي يعيشونها. وقد يحدث أن يأتي الزائر متبرعا، فننفق على ضيافته وتكريمه نصف ما تبرع به.

 

وتشاء الأقدار أن يكون الأردن في الجغرافيا السياسية للمنطقة بلد الضيافة الأول لموجات اللجوء من حوله. وأجزم أن الثقافة الأردنية العربية لعبت دائما دورا معينا في أسلوب التعامل مع الضيوف اللاجئين. وهناك نظرية تقليدية تقول إن الأردن استفاد دائما من وضع البلد المضيف؛ بالحصول على مساعدات. لكن هذه النظرية تستحق التدقيق والفحص في ميزان الأرباح والخسائر، المنظورة وغير المنظورة؛ منذ اللجوء الفلسطيني الأول وحتى اللجوء السوري الأخير. ولو أن بعض الدارسين قاموا بتمرين من باب الرياضة الذهنية لسيناريو أردن لم يشهد أي موجات لجوء، فاقتصر سكانه على أبناء الضفة الشرقية، مع أي عدد محتمل بالتنقل الطبيعي للعمالة الوافدة، فقد يفيد هذا في وضع تقييم أكثر علمية لمعنى وجود الأردن كما هو عليه الآن.

 

زيارة البابا
كان يوم أول من أمس حافلا حقا. وفي نهاية النهار، مع إحساس ما بالفراغ، خطر لي السؤال ما إذا كنا قد بالغنا في "عجقة" التحضيرات لزيارة البابا فرانسيس للأردن. وهو ما أوحى لي ببعض التأملات للنصف الثاني من هذا المقال.

 

على خطى أسلافه، بدأ الحبر الأعظم من الأردن زيارة الحج المقررة للأماكن المقدسة، مع إضافة فائقة الأهمية هي زيارة المغطس (يفضل وزير السياحة تسمية موقع المعمودية)، باعتباره مكان عماد السيد المسيح، والمحطة الأولى للحج المسيحي الذي ينتهي بكنيسة الميلاد في بيت لحم، وكنيسة القيامة في القدس. ونفترض أن يصبح هذا المسار معتمدا للحجاج المسيحيين من كل العالم.
 
ونحن، بالطبع، لا نفترض أن همنا هذا هو هم الفاتيكان في هذه الزيارة التي هي حج ديني، أريد لها حسب الفاتيكان أن تبقى محايدة تجاه القضايا السياسية. والزيارة مد يد للعالم الأرثوذكسي بمناسبة مرور 50 عاما على زيارة البابا بولس السادس، ولقائه التاريخي مع بطريرك الروم الأرثوذكس في حينه "اثيناغورس" بعد 900 عام من الانفصال بين الكنيستين الشرقية والغربية، وأخيرا لفتة تضامن نحو اللاجئين والمعاقين الذين عانوا من العنف والتهجير، وبالمناسبة تقدير دور الأردن بضيافة اللاجئين والدعوة لدعمه.

 

المهم أن المشهد كان جميلا للغاية، وجلالة الملك يقود شخصيا الضيف الكبير بعربة كهربائية بيئية على الطريق الترابي، يشرح له عن الموقع، ويوصله إلى ضفة النهر؛ حيث نزلا الدرجات الحجرية، وقام البابا بالانحناء وتحريك يده بماء النهر المقدس متباركا به، ثم يصلي خاشعا لدقائق. 

 

هذا المشهد يجب أن يترسخ كصورة لمحطة الحج المسيحي الأولى، وأن تعميد الأبناء في النهر الذي تعمد فيه المسيح هو فكرة مذهلة، يمكن أن تحرك ملايين العائلات، خصوصا إذا كان معلوما أن المكان آمن ونظيف وبسعر معقول، مع جائزة الوصول في الأثناء إلى أماكن أخرى رائعة، كالبترا.

 

بقلم: 


المراجع

ammonnews.net

التصانيف

جميل النمري  صحافة   الآداب