تحيّرت في عنوان مقالتي هذه وماذا يصلح لها من تسميةٍ لأصف به عالمنا الذي نعيش فيه اليوم وواقعنا المعاصر الذي نحياه بكل ما فيه، بمصائبه ودواهيه، وآلامه و مآسيه وماذا أسميه ديكتامقراطية أم ديكتاتوراتية؟!
وكنت كتبت عنواناً لهذه المقالة قبلُ ولكنِّي أحجمت عنه، ليس رهبةً منه، وإنما لأسبر حقائق الأمور، متعرضاً لها بين السُّطور وآثرت الإبقاء على هذين العنوانين وتركت لكم حرية الاختيار في زمن الديمقراطية!! وعصر العولـمة؟! وشعارات حقوق الإنسان!!..أجــل تركت لكم ذلك في زمانٍ يستطيع الإنسان أن يقـولَ ما فيه بملء شِدْقيــَْه، و أن ينقد حاله ببطنـه وخُفَّيـْـه، وإن أحسن فبظهره وجنْبيْه، ولا تعجب من مقالي، ولا حُكمي ولا سؤالي طالباً منك أن تتأمَّلَ حالنا بعينٍ بصيرةٍ، وأن تحكمَ فيه بنور البصيرة.
فماذا أقول في هذا العصر؟؟ وماذا أتحدث عن أحواله؟؟ وما هو لونه ووصفه؟؟ وكيف هو سَمْتُهُ ورَسْمُهُ؟
هذا العصر الذي بلغ التَّقدم العلمي أوجَه، وبلغت فيه وسائل الاتصال سقفَ مداها، وتقاربت فيه عقارب الزمان، وتجاور فيه المكان مع المكان فأصبح العالم قريةً صغيرةً وبدل أن نستفيد من عصر العولمة باحتراز الخبرات واكتساب المهارات متعاونين باحترامٍ وتقديرٍ متبادل بين الأمم والشعوب للإحاطة ببحور المعلومات بغية اللحاق بركب الحضارات كان الأمر عليناعكس ذلك عواصف دهماء تجثم فوقناكالجبال حيث هبت علينا رياح العولمة من الغرب عاتيةً هوجاء ومن القطب الأوحد تحديداً فاندفعت بقوة اعلامياته وفضائياته، ناشرةً ثقافة القتل والرعب، والجريمة والاغتصاب هذاعدا عن الخراب والدمار الذي تخلفه هنا وهناك على ظهر المعمورة بغية الحفاظ على مصالحهاأجل ثم ما لبث القطب الأوحد بعد أن فقد مع مطلع هذا القرن برجيه حيث كبر عليه أن يكون أجلحاً بعد أن كان أقرناً،وعظم ذلك في نفسه، ففقد عقله وحسَّه ، وأضاع حلمه ولبَّه ،فأضحى ينطح برجليه، ويركل بيديه، ويضرب برأسه، مرسلاً حمم نيرانه، وقذائف صواريخه، وجحيم قاذفاته إلى بلاد الإسلام تحمل الخراب والدمار بدل الأمن والسَّلام أجل هذا ما رأينا مع مطلع هذا القرن وما تجسده لنا الأحداث التي نراها صباح مساء، ليل نهار.
لقد غزانا عصر العولمة عبر الفضائيات قبل الحراب بشعاراته البراقة التي نادى بها قطبه الأوحد وما أحلاها من شعارات وما أجملها من مسميات ما لبثت أن تحولت إلى بربريات وهمجيات في زمانٍ تتسارع فيه الأنفاس خشية الريبة والحرَّاس، وتذوب فيه القلوب مما تلاقيه في دنياها من خطوب.
لقد جاء القطب الأوحد يدندن بالعولمة ويتشدّق بالديمقراطية وينادي بحقوق الإنسان ويدعي حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
آهٍ آهٍ الديمقراطية ما أحلاها من كلمة وما أعظمها من مدلول ولكن ليس لها من رصيد الواقع شيء.
إنها تعريب Democracy وهو حكم الشعب لنفسه أو حكم الأكثرية حيث يتساوى الناس في الحياة السياسية انتخاباً وترشيحاً ونرى فيه تكافئ الفرص واقعاً محسوساً في حياة الناس فيبرز الأصلح ويتقـدَّم الأفضل، ويعلو الخير، وتلقى البر ولا شك أن هذا مطلب الأحرار.
هذا ما سمعناه في كلامهم قبل، أما ما رأيناه بفعالهم فلا حول ولا قوة إلا بالله فقد رأينا والله عجبا...ً ولاقيناه شرراً وحطبا...ً فتذوقناه ناراً ولهباً... في أغلب عالمنا الإسلامي ناهيك عن العالم كلِّه والعراق أكبر شاهدٍ حيٍ على همجيَّة القطب الأوحد وبربريته في عصرنا هذا ..
هذا البلد الذي ضمَّ إلى صدره أقدم حضارةٍ عرفتها البشرية وهي حضارة ما بين النهرين التي عرفنا منها شريعة حمورابي وشاهدنـا فيها حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع.
هذا العراق الذي ضمَّ بين دفتيه دجلة والفرات، أرضه سوادٌ من خضرتها، وتاريخه عراقةٌ من أصالتها ،والرُّؤى شموخٌ في حضرتها هذا فوق الأرض أمَّا ما حوته تحت الأرض فالذَّهب الأسود النفط الذي يسيل له لعاب الغرب حيث تشكل ثاني أكبر احتياطي في العالم ثم ماذا ؟!
لقد فقدت الحياة معناها بعد الذي جرى في العراق من أحداث، ليجلبــوا له ديمقراطيتهم ،ويحلبــوا له عولمتهم فضاع الأمن، وفقد الأمان، وهُدِّمت البلاد، وشُرِّد العباد !!
لقد ادّعوا أنهم ما جاؤوا إلالينشروا الديمقراطية بين أهل العراق وإزالة مظاهر الطغيان فأين العراق اليوم؟؟
أين الديموقراطية التي يتشدَّقون بها؟؟ وأين حقوق الإنسان التي يتحدثون باسمها ؟؟إنَّها تلعنهم صباح مساء من نفاقهم ،وتشتمهم ليل نــهار من كذبهم،وتبكي ألمــا من افترائهـم ومكرهـم وهم على حالهم مازالوا يعزفون على نفس الأوتار ليصدِّقهم العملاء!! ويصفق لهم السفهاء !!وينخدع بهم البلهاء من بني جلدتنا فماتشدّقوا به عن حقوق الإنسان في مطلع القرن الحادي والعشرين زاعمين أنهم أهل الديمقراطية مطالبين بحرية المرء وكرامته، وأمنه ورفاهيته جاء الواقع ليدحضه فما شاهدناه في العراق وفلسطين وغيرها من أقطار المسلمين ليشهد على كذبهم ويدلِّل على نفاقهم، ويدحض كذب دعواهم وهذا كلُّه غيضٌ من فيض.
لقد سلبوا الحرية، وصفعوا الكرامة، واغتصبوا الأرض ،وأهانوا العرض لتعود البلاد التي حلوا بها إلى عصر الظَّلام والتَّعسُّف،والخراب والدَّمار،والفقر والتَّشريد في ظل عولمتهم البلهاء ،وشعاراتهم الجوفاء، وعباراتهم الحمقاء.
وأما ما ادعوا وتنادوا لأجله من حق الشعوب في تقرير المصير فيصلح أن نقول بدلاً عنها حق الشعوب في أكل الشعير وتحليل لحم الخنزير!!، لتصبح كالبهائم !!،وتقاد كالحمير !!،وتنام على الحصير !! وتنسى أن تقول يا مجير يا مجير !!حيث يكفيها أن تقول يا سيدي النحرير !!لترى التحريـر في عصر الرَّقيق والحرير،والخمر والفراش الوثيـر!!لتذوق المر ،وتلعق الصَّبر، وتعيش القهر، وتبقى مطيةً أبد الدهر.
لقد أضحى القطب الأوحد أخبث متحدثٍ بالديمقراطية وأكذب ناطقٍ بحقوق الإنسان وأفجر مصوِّرٍلها ليبدو لنا السُّمُّ في نقع أنيابه ويتراءى لنا الشرُّ في خُبث مقاله، ويبدو جليَّا ًالسُّوء في سود فعاله.
لقد أضحت العولمة التي يتشدقون بها لعنةً على الشعوب وباتت سُبَّةً على أصحابها مما لا قى الشُّعوب منها فأضحت تنفر من هذه العبارات الجوفاء ،واللافتات البلهاء، مما ذاقوه وعرفوه و رأوه من استخفاف بها!! وازدراء لقيمها!!واحتقار لمطالبها !!واستهتار بحقوقها !!.
.إن ما يفعله القطب الأوحد اليوم يجسد الدكتاتورية بكل معاييرها ومفاهيمها إن كان لها معايير اللهم إلا الحكم المطلق الاستبدادي.
وأصل كلمة ديكتاتورDictator تعني الحاكم المطلق المستبد أمَّاDictatorship فتعني دولة على رأسها حاكم مستبد،أعود إلى عنوان مقالتي التي بين أيديكم فهل ستسغفوني وتجيبوني بماذا أسميها بعد أن أبديت لكم مرافعتي، وشرحت لكم بين سطورها حجَّتي لتختاروا بين هذين العنوانين وما يصلح لها من مسمى هل الديكتامقراطية أم الديكتاتوراتية. وكلتا الكلمتين طبعاً القسم الأول منهما الديكتا مشتقةٌ من الديكتاتورية التي تعني الحكم الاستبداديوأمَّا في الكلمة الأولى ال مقراطية فهي مشتقة من الديمقراطية التي يزيفون بها دعاويهم ،وينافقون بها في عباراتهم ،وينمقون بها عسفهم واستبدادهم، لتصبح الكلمةبعد ضمَّ الجزأين ديكتامقراطية ملفوظة،ً ممجوجة،ً متناقضةً في مبناها ومعناها حسَّاً ومعنى.
وأما في الكلمة الثانية ال توراتية فنسبةً إلى التوراة الذي يدعيه اليهود لأنفسهم- وهو منهم براء- وفيها إشارةٌ إلى أثرهم ومكرهم في واقعنا المعاصر والسعي للمشاركة في صنع القرار بما يخدم مصالحهم في كل مكان تصل إليه أيديهم على ظهر المعمورة من خلال اللوبي الصِّهيوني سيما في دهاليز البيت الأبيض ناهيك عن ابتزاز مرشحي الرئاسة الأمريكية وأجد نفسي في وصف عالمنا اليوم وبعد جمع طرفي الكلمة مع الثَّانية الديكاتوراتية.
فهذا الأخطبوط الماكر اللعين الذي يغرز بنابيه المسمومين المال والإعلام في عالمنا أجمع وليس في البيت الأبيض فحسب من خلال اللوبي الصهيوني لجليٌ للعيان وما سمعناه أخيراً من وقف بث قناة المنار الفضائية على الأراضي الفرنسية بعد السَّماح لهاليؤكد تأثير اللوبي الصهيوني و نفوذ شبكته العنكبوتية وضغوطها على الحياة السياسية و قراراتها في فرنسا من خلال نسج حبائل مؤامراتها، ونفث حمى سمومها لتبني كيانها بالهدم والمكر، والكيد والغدر ولكن رغم ذاك فإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون وإن شاء الله مكر أولئك هو يبور.
وبعدإيحائي لكم بجوابي أترك لكم حرية الاختيار بين الديكتامقراطية والديكتاتوراتية في زمن الديمقراطية والانحدار، والعولمة والانهيار، و الباطل والانكسار إذا ماتأمَّلنا الواقع وحلَّلنا أحداثه المتسارعة بنور البصيرة.
أجل والله هو الانحدار والانهيار والانكسار بإذن الله لمبادئهم قبل واقعهم، ولشعاراتهم قبل كيانهم، ولمواقفهم قبل جيوشهم رغم ما يملكون من إمكانات وطاقات ((وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون))(الشعراء227)
المراجع
saaid.net
التصانيف
تاريخ أحداث مجتمع الآداب