أخيرا، أخرجت وزارة المالية برنامج الإصلاح الشامل للنظام الضريبي من أدراجها لتبدأ رحلة حواراتها حول التشريع الجديد الذي يمس كل فرد أردني.
أهمية القانون الجديد تنبع من أنه جاء بعد سحب مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل من مجلس النواب مطلع العام الحالي بعد أن كان أقره النواب بتعديلات كانت من وجهة نظر الحكومة غير مناسبة ولا تنسجم مع الهدف إعداد مشروع القانون.
ويعاني النظام الضريبي في الأردن من تشوهات متعددة، فمن حيث المبدأ لا تراعي القوانين القائمة روح الدستور من ناحية تصاعدية الضريبة.
كما أن العبء الضريبي الذي تتحمله مداخيل الأردنيين مرتفع إذا ما أخذت بعين الاعتبار معدلات المداخيل التي يقل 85% منها عن 300 دينار شهريا، حيث يقدر خبراء أن 30% من الدخل يذهب في تسديد الضرائب.
ويتمثل قصور التشريعات في عجزه عن تحقيق العدالة وتخفيف العبء الضريبي عن أصحاب المداخيل الثابتة وضعف الالتزام وكثرة حالات التهرب الضريبي.
ومن أهم مميزات المنظومة الضريبية التي يجري تطبيقها الآن، أن الموظف صاحب الدخل الشهري المتهالك أصلا من ارتفاع الأسعار يخضع لضريبة دخل مقطوعة، فيما أصحاب المهن الذين يكسبون عشرات الآلاف شهريا يتهربون من دفعها.
كذلك يعتبر تعدد واختلاف أنواع الضرائب احد العيوب التي يعاني منها النظام الضريبي، إذ ثمة في المملكة أكثر من 100 ضريبة ورسم، ما ولد شعورا لدى الأردنيين بأن نسبة كبيرة من نفقاتهم تذهب إلى الخزينة على شكل ضرائب ولا يحصلون في المقابل على خدمات أساسية بمستويات لائقة ومقبولة.
ويساهم تعدد الضرائب في جعل النظام الضريبي معقدا لكثرة القوانين والتشريعات التي تحكم هذه المسألة. ومن الأمثلة على ذلك وجود العديد من الضرائب التي تسبق تاريخ فرض ضريبة الدخل وضريبة المبيعات مثل الضريبة الإضافية.
الحكومة ومن خلال البرنامج الذي أعلنته أمس أعادت تأكيدها على بعض البنود التي وردت في مشروع القانون الذي جرى سحبه ومنها تقديم إعفاءات مرتفعة للأفراد وأسرهم تصل إلى حد إعفاء كل من يقل دخله الشهري عن ألف دينار من ضريبة الدخل، ما يعني أن 80% من الأردنيين لن يدفعوا ضريبة دخل.
أيضا يمس إلغاء ضريبة الخدمات الاجتماعية البالغ نسبتها 10% من ضريبة دخل الأفراد هذه الشريحة أو أصحاب الرواتب الثابتة والتي كانت تقتطع من رواتبهم مباشرة وهو أمر إيجابي.
لكن يبدو أن المشرعين قلصوا الإعفاءات الشخصية للتكاليف الصحية بما لا يزيد على 10% من دخل المكلف القائم. الانتقاد الذي يمكن أن يوجه لهذا البند أن الحكومة لا توفر خدمات صحية بمستويات لائقة، ما يضطر الكثيرون إلى اللجوء للقطاع الخاص وهو مكلف مقارنة بالقطاع العام.
ويظهر أن المشرع أغفل هذه المرة مسألة الضريبة التصاعدية على الأشخاص رغم الإعفاءات السخية، إذ خفض عدد الشرائح إلى شريحتين بعد أن كانت أربعا، وفرض نسبة 10% على أول عشرة آلاف دينار من الدخل الخاضع للضريبة، ونسبة 20% على الدخل الذي يزيد على 10000 دينار وهي نسبة ثابتة.
أما الشركات فراعى المشرع أن تكون تصاعدية بعد أن كانت متعددة وتتراوح بين 15 و 35%، لتصبح شريحتين الأولى تخضع أول 50 ألف دينار من دخل الشركة لنسبة ضريبة 10% والشريحة الثانية تخضع ما زاد على ذلك لضريبة بنسبة 20%.
لكن الحكومة أصرت بالمقابل على زيادة ضريبة الدخل على قطاع الصناعة الذي يعاني أصلا من ضعف في تنافسيته نتيجة ارتفاع الكلف عليه، لكنه في المقابل ثبت الضريبة على قطاع البنوك بعكس ما جاء في القانون الذي تم سحبه، وهو أمر إيجابي إذ أبقى معدلها عند مستوى 35%.
أما البنود المتعلقة بضريبة المبيعات فيرشح منها نية الحكومة توسيع المشمولين بهذه الضريبة بعد أن توحد حد التسجيل على جميع القطاعات عند مبلغ 50 ألف دينار باستثناء الخدمات بمبلغ30 ألف دينار.
كما يتضح أن الحكومة أعطت لنفسها فرصة المناورة لزيادة معدلات ضريبة المبيعات مستقبلا، إذ أبقت على النسبة العامة والبالغة 16% والنسبة التفضيلية (4%) وأكدت حقها بزيادة النسبة التفضيلية على المدى البعيد أو إلغائها كليا وتحويلها إلى النسبة العامة.
أما القطاع الزراعي فيتضح أن الحكومة ماتزال مستمرة في سياسة إهمالها لهذا القطاع الحيوي الذي يحتاج جملة إجراءات لدعمة وتقويته في وقت ترتفع أسعار السلع الغذائية في الأسواق العالمية، إذ نص التشريع الجديد على أن يعفى من الضريبة من الدخل المتأتي من الأنشطة الزراعية أول 50 ألف دينار دخل صاف وفي حال عدم وجود حسابات يعفى من الضريبة أول 100 ألف دينار مبيعات.
الحكم على القانون بإيجابياته وسلبياته يتحدد من خلال زيادة قيمة الإيرادات المتأتية من ضريبة الدخل والتي تعد المقياس الأساس في تقييم عدالة النظام الضريبي من عدمها.
كما أن تخفيف العبء الضريبي على الأفراد أصحاب المداخيل الثابتة والمتوسطة يعد أحد طرق قياس مدى نجاعة هذا البرنامج.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة