يعكس الجدال الذي دار أمس حول نتائج دراسة النمو الاقتصادي وآليات تكيف الطبقة الوسطى في الأردن خلال الفترة 2002 -2006 عدم تقبل لنتائج الدراسة التي قيمت وجود طبقة وسطى من عدمه بعد حديث متكرر من خبراء ومواطنين عن احتمالية صمود هذه الطبقة التي تعد صمام أمان لكل مجتمع ديمقراطي.
الدراسة التي أعدها الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم سيف والباحثة ياسمين الطباع اعتمدت معدلات إنفاق الأفراد أساسا لإجراء هذا البحث.
لكن في المقابل لم يتم اعتماد مقياس معدلات المداخيل التي تعد الأقدر على التعبير عن الظروف المعيشية للأفراد أكثر من نفقاتهم. اللجوء إلى الإنفاق كمعيار تم تبريره بأن الإنسان بطبيعته يميل إلى تقليص مستوى دخله، لكن على الضفة الأخرى من المشهد يمكن القول أيضا إن الجميع يبالغون في تقدير نفقاتهم، ما يعني أن هناك معلومات غير دقيقة في كلتا الحالتين.
بيد أنه يبدو أن استخدام أرقام الإنفاق كانت تخدم أغراض الدراسة أكثر من المداخيل كون الفرد قد يلجأ إلى أساليب مختلفة لتوفير ما يحتاجه من نفقات سواء بالاقتراض، أو التصرف بالأصول أو حتى من خلال الحصول على تحويلات خارجية أو محلية تساعده على الوفاء بالتزاماته.
فضلا عن ذلك، يتعين الإشارة إلى مسألة مهمة كان من الممكن أن تضيف شيئا لنتائج الدراسة تتمثل في حجم الادخار لدى الأردنيين الذي يعد مؤشرا في توصيف الطبقة الوسطى، إذ تقول القاعدة إن المنتسبين إلى هذه الطبقة تؤهلهم مداخيلهم لتغطية نفقاتهم وتوفير جزء منها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معدلات الادخار تراجعت لدى الأردنيين كونها كانت أحد الحلول لتغطية الزيادة في كلف المعيشة بشكل كبير خلال فترة الدراسة.
ويمكن القول إن استخدام معدلات الإنفاق للتعبير عن الطبقة الوسطى بغض النظر عن الفجوة بين نفقات الفرد ودخله والتي قدرها مسح دخل ونفقات الأسرة عن عام 2006 بحوالي 1331 دينارا سنويا لم توفر رقما دقيقا وحقيقيا حول نفقات الفرد.
هذه الملاحظات حول المقياس الذي تمت به الدراسة لا تنكر أنها خلصت إلى نتائج أهمها أن الزيادة في متوسط مداخيل التي يقل 85% منها عن 300 دينار شهريا بحسب الأرقام الرسمية، لم يكن انعاكسا للنمو الاقتصادي الذي حققه الاقتصاد بين عامي 2002 و2006 وبلغ بالمتوسط 6%.
الزيادة في الدخل جاءت من مصادر خارجية كحوالات العاملين في الخارج أو من معونات داخلية أو من خلال الإيجارات وغيرها من مصادر الدخل، ما يؤكد مقولة تتكرر دائما مفادها أن معدلات النمو المتحققة لم تنعكس على المستوى المعيشي للأسر الأردنية.
والأهم من ذلك أن الدراسة أكدت على ضغوطات تتعرض لها الطبقة الوسطى نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تتجلى بارتفاع معدلات التضخم التي حققت قفزات متتالية خلال السنوات الماضية لتبلغ خلال الربع الأول من العام الحالي ما نسبته 12.7%.
كما خلصت الدراسة بطريقة أو بأخرى إلى أن تركيبة الطبقة الوسطى أخذت بالتغير والتبدل، فبعد أن كان القطاع العام وجزء من القطاع الخاص عمادها الرئيس، نرى أن نتائج الدراسة تؤكد أن شرائح جديدة جاءت لتحل مكان هذه الفئة لتصبح هي العمود الفقري لهذه الطبقة التي تعد صمام أمان لكل مجتمع.
المكون الرئيس لهذه الطبقة، وفق الدراسة، هم الحرفيون الذين يعملون لحسابهم الخاص من ذوي الدخول القليلة وتمتد لتشمل المهنيين والمديرين من ذوي الرواتب العالية.
يبدو أن النهج الاقتصادي والظروف الاقتصادية المطبقة ساهمت في خلق طبقة وسطى جديدة وهو أمر إيجابي، لكن يبقى على أصحاب فكرة الاقتصاد الجديد المطبق الآن إيجاد حلول لأولئك الذين تراجع مستواهم المعيشي لينزلقوا إلى ما دون الطبقة الوسطى، وليذوبوا في متاهة تستعصي على التصنيف الطبقي حتى في أعرق أدبيات الاقتصاد السياسي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة