عزة فتح الرحمن
(إعلامنا العربي يريدنا أن نرقص في الشرفات) كلمات قالها الشاعر محمد الفيتوري بلهجة يملؤها الحزن والثورة في لقاء له مع أحد القنوات الفضائية.
هذه الكلمات جعلتني أتساءل كيف يمكن أن يشكل الإعلام معول بناء في حياة الأمة الإسلامية بعد دوره الطويل في هدم القيم ومحو الهوية.. كيف نعالج عدم وعي الشباب بقضايا الفكر والأدب والثقافة الهادفة، والتفافهم حول الأفلام ذات المضامين الفارغة والأغاني المبتذلة، وهل الترفيه عن النفس يبيح للمسلم أن يتمتع بالمنكرات التي يشاهدها على الشاشة؟..
هل يعتبر الدين الفن والإعلام أدوات عقيمة ويحاصرها دون فرز؟
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتاب (قضايا المرأة بين التقاليد الوافدة والراكدة) صفحة 134: (أمسكت أحد الصحف الكبرى وقرأت أسماء الأفلام التي يقضي الناس معها أمسياتهم، وغلبتني الدهشة والحيرة وأنا أطالع هذه العناوين المعلن عنها في مساء واحد: لهيب الشيطان، السفلة المحترفون، ميراث الغضب، النمر والأنثى، رجل في عيون امرأة ، جري الوحوش....الخ. هذه الروايات كلها تعرض فى مساء أسود ولو كان مضاءا بالكهرباء..، مساء واحد يضم هذا الفكر الخسيس ويتدبره النظارة المسوقون بسياط الدعاية وسماسرة الغزو الثقافي، يقضون معه الساعات الطوال ويترك في النفس أسوأ الأثر. هل يخرج أحدنا بانطباع عال أو بطموح كريم؟!، هل هذه العروض تعين على تربية سليمة أو تدعم خلقا زكيا؟! إن الجيل الذى يخرج من هذه الدور لا يخرج فارغ العقل والقلب وحسب؛ ولكنه يخرج مليئا بالصغائر والكبائر على حد سواء. عندي أن سموم الحشيش والهيروين ليست أكبر ضررا من سموم هذه المهالك المجلوبة من الخارج، وإن الأمة التي تشهد هذه القصص تضل الطريق إلى مستقبل معقول).
ويقول الغزالي في مكان آخر من نفس المصدر تعليقا على الغناء فى أيامنا هذه ص 166:
(أخبرني صديق أن احدى المجلات الدينية هاجمتني لأنني قلت أن الغناء كلام؛ حسنه حسن وقبيحه قبيح، ورأت أن الغناء شر كله. قلت للصديق قد يكون الخطأ قريبا مني فلست معصوما وعذر هؤلاء أن أغلب الأغاني الشائعة خليع وماجن، وأن البيئة الفنية هابطة المستوى). انتهى كلام الشيخ محمد الغزالي.
المرأة على شاشة الفضائيات:
لا أنكر أن الشاشة تعرض علينا مجموعة من الوجوه النسائية المثقفة تناقش وتربي، ولكنها وجوه قليلة لا تتخطى أصابع اليد، إن المرأة فى معظم وجودها على الفضائيات عبارة عن جسد!!.. تعرض مفاتنها أمام العالم لتعلن عن السلع أو الازياء، أو لنشر المفاسد على شاشات الافلام وأغاني الفيديو كليب!..
فهل هذا فن؟!
إن الفن هو الذوق الرفيع والإبداع الذى يحافظ على الآدمية وليس الذي يسحقها. وللأسف؛ فإن الحضارة الغربية استغلت المرأة أسوأ استغلال وجردتها من فكرها وثقافتها وأدبها الذي عرفت به قديما، وحولتها إلى (مواطن من الدرجه الثالثة)، وهي تظن أنها في قمة التحضر والحرية.
الفن من منظور شرعي:
إن الشرع والدين لا يفرض حصاره دون فرز على الأعمال الفنية، ولا يعتبر الفن فقط مركبا للتجاوزات الخلقية والشرعية، ولكنه يحاصر الفن المبتذل أو الفن غير الملتزم، فإذا وجد فن يراعي الشرع والأخلاق، ويقدم المعلومة المفيدة والثقافة الواعية، أو الترفيه الحلال الذي يعين على الجد والعمل، فلا مانع منه. بل يمكن أن يكون صرحا من صروح التربية والدعوة إلى الفضيلة، كما انتهجت بعض القنوات الفضائية التى أشعت نورا فى قلب ظلمات الفضائيات الغير هادفة، فلتسر على الطريق رغم العوائق والعقبات، ورغم اعتراض المعترضين وتشدق المتشدقين. (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون) سورة المطففين 29-30
المراجع
شبكة المشكاة الاسلامية
التصانيف
عقيدة