قبل أيام فقط خرج قرار دعم الكاز من مكاتب وزارة المالية. وتم إقراره من قبل مجلس الوزراء، بعد  تكتم غير مبرر في الإفصاح عن تفاصيل هذه المسألة، لدرجة جعلت الكثيرين يعتقدون أن القرار سيحل مشكلة عدم قدرة الفقراء على التزود بالكاز. لكن الطامة أن القرار المنتظر حمل في طياته ما يقترب من الإهانة لعدد واسع من الفقراء الذين يتطلعون للاستفادة من هذا الدعم.
القرار قدر الدعم بحوالي 13 دينارا فقط، لكل أسرة تقل حصة الفرد فيها عن ألف دينار من إجمالي دخل الأسرة سنويا، أي ما قيمته 3.2 دينار لكل أسرة تستحق الدعم، علما بأن عدد هذه الأسر يناهز 700 ألف أسرة، متوسط عدد أفراد الواحدة منها 5 أفراد.
وتستدعي قيمة هذا الدعم المقدم التوقف عندها، فمن قال إن 3.2 دينار شهريا، ستكفي الفقراء للحصول على الكاز، ومن قال إن مشكلتهم كانت تتوقف فقط على توفير هذا المبلغ الزهيد لاستكمال ثمن الكاز الذي يستهلكونه طوال الشهر؟
أكيد أن حسبة الحكومة غير منصفة لهذه الشريحة، كما أن تحديد مثل هذه القيمة ينطوي على أمر مهين فيه انتقاص من كرامة كل من يحصل على دعم الكاز، في وقت يدور في الذهن تساؤل حول الكيفية التي اتخذ بها هذا القرار العجيب؟ إن مجرد التفكير في فحوى القرار ومعطياته ولو لدقائق من قبل وزرائنا كان سيؤدي حتما إلى وقفه أو إعادة النظر في معطياته.
هذا الرقم الذي توصل إليه المسؤولون يؤكد أن دراستهم للقرار والتي استمرت عدة اشهر اعتمدت على الأرقام فقط، وكالعادة أهملت الجانب الإنساني، إذ تؤكد حيثيات القرار أن صانعه اعتمد على أرقام ما قبل رفع الدعم عن المشتقات النفطية، حينما كانت الحكومة تتكفل بجزء من قيمة هذه السلعة التي تشير أرقام الحكومة نفسها إلى أن أسرا كثيرة تستخدمها.
لكنهم تناسوا أن هذه الشريحة كانت تكابد صعوبات في توفير هذه المادة حتى قبل رفع الدعم، لا لشيء إلا لتدني مستويات مداخليها، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 70% من القوى العاملة الأردنية والتي قوامها 1.3 مليون نسمة يقل دخلها عن 300 دينار شهريا.
بعض الموظفين والمتقاعدين المستحقين للدعم، لهم وجهة نظر مخالفة لحيثيات القرار، فهم يرون أن تقديم هذا المبلغ لن يغني ولن يسمن من جوع. كما انه لن يحقق الهدف المنشود منه كونه لا يكفي لتغطية الفجوة بين قدرة "الغلابى" الشرائية وسعر تنكة الكاز، حتى إن بعضهم ذهب ابعد من ذلك، وفضّل لو أن الحكومة لم تقدم على هذا الأمر، أو لو أنها قررت عدم صرف دعم للكاز او تخصيصه لبنود اكثر جدوى.
كان الأجدى عدم إقرار هذا الأمر أصلا، بل كان من الأفضل تسخير مبلغ الدعم، المقدر بحوالي 9 ملايين دينار، في أوجه تحقق فائدة اكبر، ونفعا حقيقيا. فعلى سبيل المثال كان من الممكن تخصيص هذا المبلغ لإنشاء مشاريع تنموية في جيوب الفقر أقرت منذ سنوات ولم تر النور لغاية الآن.
وكان الأولى تخصيص هذا المبلغ لإجراء مسح حقيقي حول واقع الفقر في الأردن، إذ إن تشخيص هذه الظاهرة محليا ما يزال غير دقيق. وكان يمكن إنفاق هذا المبلغ على توفير قاعدة بيانات للفقر ما برحت الأصوات تنادي بوضعها، ليتسنى وضع حلول حقيقية للعوز في الأردن والمعوزين الذين يتضورون بردا وخذلانا.
كان ثمة مشاريع أخرى أكثر أولوية من هذا القرار، وأكثر تحسسا لعذابات الذين ينخر عظامهم زمهرير البرد القارس في ليالي الشتاء الحزينة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة