(1) العقاب
مختصر
يبدأ الشِعْرُ مِنْ حيثُ لا تفهمينْ
أنتِ مرثية وأنا
كلْمة بالغتْ في المحبّة
أحُرِقتْ جيداً
ثم ذُرّتْ رماداً صموتاً على وردةٍ عانسة
وردة تاجها البحرُ أغصانها قُبْلة
روحُها الليلُ: ليل النجوم التي تشتكي همّها للقبورِالوحيدةْ
أنتِ مرثية وأنا كلْمة من يقينْ.
يبدأ الشِعْرُ مِنْ حيثُ لا تعرفين
أنتِ مرثية طائشةْ
كلما سارعتْ شفتي بالكلامْ
أبدلتْ حزنها، لونَ اقراطها ومواعيدها
أبدلتْ قلبها والقناعْ
غادرتْ أرضَ حبّي البريئةْ
قمقماً مدهشاً في المياهِ التي تحتويهْ
وهي مجنونة بالعناقْ
أنتِ مرثيةُ طائشةْ
وأنا قاتلُ غرّرته الليالي التي لا تمرّ
دونما طعنةٍ أو ضحيةْ.
يبدأ الشِعرُ مِنْ حيثُ لا تشتهينْ
أنتِ مرثية ماجنةْ
أو قصائد ملعونة
تحتوي صوتَها البربري
كلما مزّقتْ ميسماً فاتناً..
كيف لي أن أغنّيكِ يا سيّدةْ
باسمي الصامتِ
أو أغنّيك يا سيدةْ
باسمكِ الصاخبِ
أنتِ مرثية ماجنةْ
وأنا المبتلى بالعناق، الصبا.
هكذا يبدأ الشِعرُ ياسيّدةْ
أنتِ مرثيتي وأنا حارسُ المقبرةْ.
ضيوف
لم أتقنْ كيفَ أقود عصافيركِ للماءْ
في وحشةِ ليلٍ ناءْ
وأقود طيوركِ صوبَ الأزهار العبقةْ
في وحشةِ ليلٍ مجدوع ِالأنف
كانتْ لي ذاكرة خَرِبةْ
وسماء مرتجلةْ
لكنْ إذ غادرتِ
كيفَ تركتِ
بابَ الكوخِ الحجري
مفتوحاً للنمرِ الرعديدِ، القبّرةِ السكرى
والبومةِ والأسدِ المقطوعِ الرأسْ؟
الوحوش
مالنا كلما أطلقَ البحرُ شطآنهُ
عانقتنا دفوفُ الوحوشْ؟
ريشة العقاب
الكْلمةُ العنيدةْ
تصرخُ في أحلامِها
في برجها العتيد
أجلدها بالسوطِ كي تنامْ.
(2) البلبل
خلْق
سَيتمُّ الخلْقْ!
شَعر أسود يخطو في الريح البيضاء
وعيون من أرقٍ ونعاسْ
أنف بلّوطْ
وفم: أرق القدّاحْ.
سيتمُّ الخلْقْ
أكملتُ الوجهْ
وإليَّ، إذن، برنين اللحم الحي
سيتمُّ الخلق: هنا أطرافُ الروحْ
وهنا تفّاح القلبين الغضّ
وهنا تفّاح الخطوات.
لحظات..
ثم امتلأت أرجاءُ البيتْ
بضياء أبيض كالفضّةْ
وحنينٍ أبيض كالفضّةْ
وحياة ملآى بالفضّةْ
سيتمُّ الخلقْ
وأتتْ فاتحةً معطفها الذهبي
أسماءُ فصول ِالله.
تمَّ الخلقُ!
كان الطفلُ الساحرْ
منتشياً ببخور الحلمِ
وعظام الطيرِ الوحشي،
أسماءِ الجنِ القائظةِ السوداءْ.
أنتِ
أنتِ أفشيتِ فيَّ المحبّةْ
واقترحتِ الفراقْ.
الفرات
كلما هَمّ قلبي بتقبيلها اكتشفتُ الفراتْ!
حياة
يا لها طفلتي
كلّ يوم لها نزوة غامضةْ
كلّ يومٍ لها ما تشاءْ.
ريشة البلبل
أنتِ أورقتِ فيَّ الهوى والصبا والغصونْ
أنت بادهتِني بالعلامةْ
ثم قبلتِني، فجأةً، في العيونْ
لحظة فاكتفيتِ
ثم أورقتِ فيَّ الخصامَ وتوجّتِني
ملكاً للجنونْ.
(3) العصفور
الغرفة واللوحة
الغرفةُ كانتْ مقفلةً
وأنا مثل الزيت الموضوع حديثاً قرب قماش اللوحةْ
قلقا ًأهتزُّ بقلبي
كانَ اللونُ الأبيضْ
لقماشِ اللوحةِ أهدأ من وجهٍ مُثْلجْ
والوردُ الطالعُ من قلبي
- يا مَنْ تحوي كلّ الأسماء-
منتظراً..
مطراً يخرجهُ
بخطى أطفالٍ من مرحٍ
من غيمِ قرونِ الوحشةْ.
الثلجُ على الأكتافْ
اللونُ الأبيضُ يشرقُ هذي المرّة منحنياً كالصبيّر الرائعْ
الغرفةُ قانعة بالصمتْ
وأنا أخفي أنفاسي..
مسحوراً مِن خفْقِ الحلمِ الأسودِ..
لا أقدر ـ يا مَنْ تحوي كلَّ الأسوارْ ـ
أن أمسك شيئاً..البتّةْ.
ما يحدثُ لو قنعتْ هذي الغرفةْ
باللحظة صاخبة كالينبوعِ المتدفقِ وسط الصحراء؟
فبأيّ رموزٍ للفرحِ المجنونِ ستحكيها عينايْ؟
وبأيّ قواميس للفتنةِ أخلقها حتّى أصفَ..
النوم َالممتلىءَ الأردافِ وأيّة أكوانٍ رائعةٍ..
ستجيء إلى شفتّي تعانقني
وتعانق مصيدة البهجةْ؟
يا مملكةَ الصمتِ لقد أثقلني الصمت
أثقلني مَن يخفي دائرةَ الزغبِ الرمليّ السوداءْ
أثقلني الثلجُ المتساقطُ فوق الأكتافْ
أثقلني قلب كالزيت
يعدو بخطى غزلانٍ من مرح
لكنّ الغرفة مقفلة
الغرفة راضية بالصمتِ، الثلجْ
واللوحة ـ يا مَن تحوي كلّ الأسماء ـ
ببياضِ الثلجِ الأسودِ تكبرُ تكبرُ تكبرْ.
الجسد
يفيضُ هذا الجسدُ المجنونْ
بالحبِّ والمجونْ!
هي تقول، أنا أقول
كلْمةً إذ تقولْ
تجعلُ النبعَ نهراً
والصحارى لقاءْ
كلمةً إذ أقولْ
يقتفي الجرحُ أسماءَهُ
وتضيعُ السماءْ.
الغرفة المظلمة
طفلتي هربتْ بعد أن أتعبتها الليالي..
المواعيدُ والغرفةُ المظلمةْ.
ريشة العصفور
مرّاتٍ أخرى..
نتلاقى يا حبّي ونغنّي
أو نبحثُ عن معنى
في كلماتٍ لم تُدْهسْ أو تُرفشْ
في وحشةِ هذي الأيام.
(4) الهدهد
العش والدخان
أنتِ في عشّكِ الدافىء
وأنا في عذابي المقيمْ
أنتِ في عشّكِ الغامضِ
بين أطفالكِ البيض والسمرِ
بين أزهاركِ العاريات وأحلامكِ اللاهثةْ
وأنا بين أوراقي الغامضةْ
بين أقنعتي وفراتي المريبْ.
ريشة الهدهد
كيف ألّهَتني
يا نبي الندمْ؟
عنوان القصيدة: العقاب والبلبل والعصفور والهدهد.
بقلم: أديب كمال الدين.