بدا جسمها مثل بحيرة من البياض تمنيت منذ.. لا اعرف من كم من السنين أن أصل إليه، دون أن يكون لي ما أردت، تلوّت تمنعت، أبدت رغبتها ولم تبدها، لم يكن لدي وقت للتفكير، أردت أن اخرج كل ما بداخلي من توق وحنين إليها، إلى الالتصاق بها، إلى معانقتها.
ها هي ترسل نظرة ناعسة الطرف نحوي، إنها تعرف ما أريد، تغمض عينيها وتفتحهما، إنها تعرف ما تريد، ابنة حواء تعرف ما تريد.
يطلع جنوني كله، أحاول أن ادخل إلى طرفها الناعس. أن استلقي هناك، ألا اخرج، تتردد، أي مجنونة هي، من ناحية تطرق باب ليلي، من أخرى تتهرب مني، بيد تفتح الأمل وبأخرى تشرع مساحة من اليأس لا تطاق.
عيناي تكادان أن تخرجا من وقبيهما، أن تخترقا الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، جنون أن تكون قريبا من الماء، وان يقتلك الظمأ في الآن ذاته، جنون لا يعرفه احد سواك، وأمل يتحول إلى سراب لحظة اقترابك من الوصول.
عيناها تدعوانني وعيناي تدعوانها، لماذا لا تقترب فاقترب، ولماذا لا تشعل نارا تاقت إلى اشتعالها الروح، قبل أطراف اليدين؟
بدت كمن عرف مدى رغبتي في السباحة في بحر بياضها، تأودت في مجلسها متأوهة، وتثنت تثني طلي غرير، مدت يدها إلى شاربيّ عبثت يهما، يداها البضتان أحدثتا ما أرادته وما لم ترده من تفاعل، تكهرب الجسد المتعب مد يديه إلى ذاته، كأنما هو يريد أن يتأكد من انه موجود، حاول أن يمدهما إلي بحيرتها البيضاء، ابتعدت، فأخطأت اليدان مرماهما، انتظر لتنتظر في العتم متسع لأكثر من نجمة عاشقة.
تغمض عينيها، يتفتح عالم من الورد، جنة واسعة مترامية الأطراف، تشترع على مد النظر، كل شيء يقترب إلا الاقتراب، كل شيء يريد أن يكون إلا الكينونة، وكل يقبل راضيا مرضيا إلا الإقبال ذاته.
ُتبادر إلى ملابسها، فتعيدها إلى حيث موضعها، تغطي بها بحيرة بياضها، تحاول أن تشلني كما فعلت دائما، لن اسمح لها هذه المرة، سؤال يتردد في ذهني من الماضي ومن الحاضر ذاته، إذا كانت تريد أن تذهب فلماذا هي أتت؟ ألا تعرف أن من يأتي إنما يأتي وانه حتى لو ذهب وغادر سيبقى؟ ألا تعرف؟ لماذا هي أتت، إذا كان في خاطرها الذهاب؟
عيناي تنطقان بهذا، عيناها تنطقان بمثله، شفتاها تمتدان تمتدان تمتدان، تقترب شفتاي منهما، ما أن يحصل التلامس بين الشفتين، حتى ترتد إلى الوراء، كل حركة فيها تؤكد أنها تريد أن تبقى، وكل حركة تنطق بالعكس، أنا متأكد من أنها جاءت، جاءت منذ جاءت، لماذا هي تريد أن تذهب؟ وهذه المرة المجنونة، لماذا طرقت باب جسدي؟ لماذا؟ وهل اقبل ادعاءاتها السابقة المباشرة والراهنة غير المباشرة، بان جسدها لها وأنها حرة في التحكم فيه؟
أمد يدي تتملص، من علم هذه الحيّة التلوي؟ ومن قال لها إن جسدها ليس لها، انه لها حلال مبارك، هو لا بد من أن يتبارك، كي يتبارك، أساسا لا توجد مباركة لا سماوية ولا أرضية بدون مثل هذه المباركة، ثم إن التواصل المنشود هو ما يجعلها تشعر بجسدها، وهو ما سيمنحه ما أرادت أن تمنحه إياه للتأكد من انه لها.
هاأنذا أكاد اجن، أنا متأكد من أنها تريدني أن أسبح في بحيرة بياضها، فلماذا هي تتمّنع؟ أحاول أن أقنعها أقول لها إن الأمواه تفقد معناها بدون السباحة، تصبح مثلها مثل أي ركود وأسن مهجور، تغمز لي بعينها، تقول ومن يضمن لي، أن تبقى بحيرتي محافظة على لونها بعد السباحة فيها؟ ألا يمكن أن تتعكز مياهها؟ أؤكد لها أن أمواه البحيرات البيضاء تختلف عن سواها، وأنها هي البحيرات الوحيدة التي لا تصفو مياهها إلا إذا تمت السباحة فيها وتعكرّت.
تبتسم مثلما فعلت دائما في مواقف متشابهة، من يضمن لي؟ أنت تبحثين عن ضمانات؟ من يبحث عن ضمانات لن يكون له ما يريد، لأننا لا نضمن في أعمارنا القصيرة شيئا، من يبحث عن الضمانات لا يحقق شيئا في حياته، ولن يفوز بشئ.
دائما هي تبدو مقنعة، هذه المرة تبدو كذلك، إلا إنني أحس بها حارة أكثر منها في أية مرة سابقة، مؤكد أن سببا خاصا أتي بها، هذه المرة وان الدافع كبر حتى لم يعد بإمكانها أن تخفيه.
اضرب على الكنبة. ستكون لي. يعني ستكون لي.
هي تضرب على الكنبة، تتوجه نحو باب الخروج، انتصب في طريقها، تزوغ مني، تعدني تغمز بعينها، مؤكدة أنها ستعود، اسحبها من يدها، اسحبها لأسحبها، اسمع صفارة سيارة في الخارج، هي لها، ابتعد عنها، اخلي لها الطريق، تخرج .. وأبقى بانتظار أن تأتي في المرة القادمة.
بقلم: ناجي ظاهر.
المراجع
alantologia.com
التصانيف
الادب الآداب