أصعب الخيارات أن يقيم المرء في دائرة المؤقت أو منطقة المبارحة بين الحركة والسكون. وهذا هو حال سائر أجهزة الدولة في هذه اللحظة الراهنة. فإشاعات التعديل أو التغيير الحكومي ترخي بثقلها على الأداء الاقتصادي للحكومة وترهقه. الشهر الأول من العام الجديد يمضي من غير أن تحرك الحكومة ساكنا في العديد من الملفات المهمة التي بقيت معلقة من دون أن نلمس أي تطور.
ويبدو أن "معزوفة" التغيير تبث حالة من الانتظار والترقب للتطورات التي ستطاول حقائب السلطة التنفيذية. هذه الحالة بررتها، ربما، الحرب الإسرائيلية على غزة التي احتلت الأجندة الكبرى في العمل العام والخاص على حد سواء. الآن انتهت الحرب، لكن الانتظار لم ينته، والترقب ما انفك سيد الموقف وموجهه وبوصلته.
فعمل الوزراء والمسؤولين معطل وبطيء وعيونهم تتطلع إلى ما ستؤول إليه الأمور في الدوار الرابع، وفي الأثناء ظلت قضايا عديدة بانتظار الفرج، وليس أقلها قضية شركات البورصات العالمية وتنظيم عمل هذا القطاع الذي أضحى يراوح مكانه رغم أنه يهم آلاف الأسر التي خسرت أموالها تحت غطاء "شركات" زعمت أنها تتعامل بالأسواق المالية العالمية.
ويضاعف التحديات أنه منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل أشهر، كان تعاطي الحكومة معها دون مستوى الطموح أو التوقعات، ففي البدء كان هناك إصرار غير مبرر على أن الأردن في منأى عن الأزمة، لتتطور الحالة بعد ذلك ويدرك الكل أن ثأثير الأزمة آت، لا محالة، ويلقي بظلاله الكثيفة على سائر أنشطة الحراك الاقتصادي.
ورغم ذلك إيقاع العمل بقي بطيئا، إذ ماتزال خطة الإنقاذ الاقتصادي التي أعلنت عنها الحكومة منذ أشهر في أدراج وزارة المالية، تاركة جميع القطاعات الاقتصادية والمالية في مهب العاصفة المالية العالمية وتأثيراتها، من دون اتخاذ إجراءات تشي باهتمام أو اكتراث أو أن أحدا ما عابئ أو مدرك لفداحة ما يجري.
ملف الأسعار الذي يعد الأهم هو الآخر مايزال معلقا، فلغاية الآن لم تضع الحكومة خططا تكفل تخفيض معدلات التضخم التي أرهقت جيب المواطن على مدار العام الماضي. وظلت هذه المشكلة مستمرة حتى اليوم، رغم تعدد الأدوات المتاحة لضبط إيقاع نسب الأسعار ومنها على سبيل المثال لا الحصر تفعيل قانوني المنافسة والصناعة والتجارة.
حالة الانتظار التي يعيشها الفريق الحكومي تنعكس آثارها أيضا على ما اصطلح على تسميته بخطة إنقاذ القطاع العقاري وبالأخص مشروع "سكن كريم لعيش كريم" الذي يؤكد العديد من المراقبين أنه لم يحقق أهدافه المنشودة في عامه الأول والقاضي بإنشاء 20 ألف وحدة سكنية.
الصمت الحكومي المطبق حول العديد من القضايا، وبخاصة الاستراتيجية منها أمر غير مقبول، واتباع سياسة الاختباء وراء التصريحات البروتوكولية لا يعفي المسؤولين من مهامهم. لكنّ المسؤولين أيضا معذورون إلى حد ما، فهم أشبه بحشد متجمع في محطة انتظار، ولا يعلمون علم اليقين متى سيأتي القطار، أو أن هناك، في الأصل، قطارا أم لا!
 
 
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة