هل ثمة تطور كمي ونوعي في الجرائم في الأردن؟ المتابعة الإعلامية تشكل انطباعا يقترب من الإجماع بأن الجريمة تزيد كما ونوعا، قصص الأطفال الرضع الذين يعثر عليهم كانت في الشهور الماضية على قدر كبير من الكثافة، وجرائم القتل الغامضة، وآخرها فتاتان شقيقتان في ريعان الصبا توفيتا في ظروف غامضة كما تقول الصحف، واختفاء طفل.
بالطبع يجب ألا نتسرع في الاستنتاج اعتمادا على الصحافة والإعلام، فقد يكون الأَوْلى العودة إلى الإحصاءات والتحليلات المتخصصة لملاحظة التغير في مسار الجريمة وفهم علاقتها بالظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة أو بأي سبب آخر، ولكنه يبقى انطباعا محقا وجديرا بالنقاش حتى لو لم يكن دقيقا، يقترب من الصحة، وحتى لو كانت الجريمة في الأردن تسير في منحنى طبيعي من الزيادة أو النقص، وكانت القراءات الإحصائية مختلفة عن الأفكار التي تشكلها وسائل الإعلام فإن ذلك لا يقلل من أهمية الظاهرة وضرورة التفكير بها، لأنها عندما تنتقل إلى وسائل الإعلام تصبح قضية يومية واجتماعية وتخص الرأي العام.
لم تأخذ بعد صحافة الجريمة مكانها الصحيح في الإعلام ولدى القارئ في الأردن، فقد تعود المواطن على متابعة الأخبار والقضايا السياسية والمحلية والاقتصادية على أساس من الجدية والرصانة والحذر في الصياغة والعبارات وتقدير المواقف، وعندما بدأت الصحافة تنشر أخبار الجرائم فقد وضعت المواطن أمام حالة جديدة لم يتعود عليها. بالطبع فلا مناص من مواجهة هذه الحالة بعد تطور وسائل الإعلام والاتصالات ودخولها في كل تفاصيل الحياة اليومية والشخصية، فلم يعد الإعلام مهتما فقط بالمؤسسات الكبرى والشخصيات النخبوية والرسمية، ولكننا نجد اليوم على الشاشات وفي الصحف حوارات ومقابلات وقضايا كثيرة جدا أبطالها هم الناس العاديون، ويكاد يكون حضور الناس العاديين يتفوق على حضور المسؤولين والنجوم في وسائل الإعلام.
وليس أمرا خارقا أو خارجا عن المألوف الربط بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية وبين الجريمة والضغوط النفسية والاجتماعية، فليس من شك أن المجتمعات تعيد تكييف نفسها وسلوكها وفق البيئة الاقتصادية والاجتماعية المتشكلة حولها، ومن المنتظر بالتأكيد عندما تزيد صعوبات العيش وفرص توفير الاحتياجات الأساسية وتغيب العدالة الاجتماعية أن نشهد حالات من الاحتقان السياسي والاجتماعي، ويجب أيضا ملاحظة العدد الكبير من المقيمين والزوار في الأردن والذين ربما يشكلون ثلث السكان، وما يتبع ذلك من أنماط جديدة من العلاقات والمشكلات.
الملاحظ أن نسبة عالية من الجرائم والأزمات مرتبطة بالجنس على نحو مباشر، اللقطاء، البغاء والزنا وما حولهما من جرائم وأعمال، الحمل السفاح، الاعتداء والتحرش، القتل بدواعي الدفاع عن الشرف، الخلافات والأزمات العائلية، والتفكك الأسري والتشرد، الطلاق، وما يدور في وعلى هوامش النوادي الليلية.
ولا شك أنها حالة تؤشر على أزمة يجب التفكير بها على نحو يساعد على مواجهتها، فالتحولات المصاحبة للتمدن والاستقلال والأعمال والعلاقات الجديدة تصاحبها بالتأكيد أنماط جديدة من العلاقات لم تعد الأنظمة الاجتماعية السابقة قادرة على استيعابها وتنظيمها، فاليوم يتشكل لدينا مدن وأحياء ومؤسسات وأعمال تستوعب الناس على نحو مخالف للأحياء والتجمعات السكانية والاجتماعية التي كانت تنظم العلاقات الاجتماعية والأسرية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد