هل يأتي بجديد أو مدهش من يقول إن الأردنيين من أكثر شعوب الأرض دفعا للضرائب. وهل يبتكر أمرا مستهجنا إن صرح أحدهم بأن دافعي الضرائب هؤلاء لم يستشعروا خيرات النمو الاقتصادي؟
لا غرابة فيما سبق أبدا. الغرابة في إدراج هذه الحقائق ضمن تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي يضع توصيفا جديدا لهذه الحقوق وماهيتها.
التوسع الذي جرى في فرض الضرائب خلال السنوات الماضية كان أحد توصيات التقرير، إذ بلغت المغالاة في فرضها حدا لا يمكن احتماله, لدرجة صار الناس معها يتندرون على نية الحكومة فرض ضريبة على الهواء الذي يتنفسون، للتعبير عن استيائهم من ثقل العبء الضريبي.
النهج الجديد الذي اعتمده التقرير يعكس رقيا في تحديد حقوق الفرد، حيث اعتبر أن تدني المستويات المعيشية وعدم انعكاس معدلات النمو المتحققة يأتيان في مصاف أشكال انتهاك الحقوق الفردية، وأن الحقوق تتجاوز الجانب السياسي إلى الاقتصادي.
فضمان الحق في مستوى معيشي لائق يعد جوهر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى، وهو ما يحتاج إلى انتهاج سياسات اقتصادية واجتماعية ملائمة للقضاء على مشاكل الفقر والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة.
خلال السنوات الماضية مارست الحكومات المتعاقبة سياسات أثبتت نتائجها ضعف صدقية نواياها في تقديم الحقوق الاقتصادية للمواطن وأداء واجباتها تجاه الأفراد، لدرجة أنها لم تعتبر تقصيرها يوما انتقاصا من أي من هذه الحقوق، لا بل إن إهمالها فاقم الحالة حتى باتت شريحة واسعة من الأردنيين تشعر بالفقر قبل أن تعيشه.
ويبدو أن بعد المواطن عن العمل الاقتصادي، والفشل في خلق علاقة حميمية بين المجتمعات المحلية والنشاط الاقتصادي أسهم في إخفاق الحكومة في امتحان تحقيق التنمية المستدامة التي لن تتم من دون خلق روابط مصلحية بين الأردني والاقتصاد، حيث مايزال الكثيرون يشعرون أن كل ما يجري لا يعنيهم وليس من شأنهم.
فمن قال إن قطاع السياحة الذي وفر خلال العام الماضي مبلغ 2.1 بليون دينار ساهم في تحقيق التنمية، مادامت عجلون بجغرافيتها الفريدة لا تضم أي مطعم في جبالها. ومن الذي زعم أن مثل هذا القطاع اجتاز فحص التنمية مادام أهالي أم قيس لا يدركون قيمة مدينتهم الأثرية وأهميتها ما لم يتلمسوا آثار وجودها على مستواهم المعيشي؟
إن ما يحدث على أرض الواقع، يؤكد وجود شرائح تدفع ثمن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية، بخاصة أولئك الذين ينتسبون إلى حزب ذوي الدخل المحدود، إذ يتم التركيز على نسب النمو الاقتصادي بما يخدم علاقة المملكة بالمجتمع المالي العالمي وصورتها في الخارج.
تضمين مثل هذه الملاحظات في تقارير حقوق الإنسان مهم للغاية، ليس لشيء إلا لأنها تشكل قاعدة قوية للأمن الاقتصادي الذي يعد ركيزة أساسية للأمن الوطني الشامل.
فعيش المواطن وسط شعور بانتقاص حقوقه وضعف قدرته على توفير مستوى عيش محترم لأسرته التي يعيل، يوفر بيئة خصبة لكثير من الأمراض الاجتماعية والمشاكل والجرائم التي ليس لها أول ولا آخر، والأسوأ من ذلك توفر البيئة الملائمة لإنتاج أشخاص محبطين ويائسين من الحياة يصل بهم الحال إلى التطرف والتفكير بالانتحار.
كما أن تقصير المسؤولين في هذه الجوانب يخلق حالة من عدم الثقة بالسياسات الحكومية وغاياتها والتشكيك الدائم في أهدافها، حيث يؤمن الكثير من الأردنيين بأن كل ما تفعل الحكومة سيجيّر لخدمة شريحة محدودة من المجتمع وليس لعامتهم، فمن ينزع من قلوبهم هذا الإحساس المتنامي؟
الحقوق الاقتصادية تكتسب ثقلا كبيرا وأهمية خاصة لا يدركهما كثير من المسؤولين. والاستجابة إلى هذه الحقوق كفيلة بترسيخ وتقوية المجتمع وتعميق ثقة المواطن بنفسه وبمن حوله. أما انتقاص تلك الحقوق فإنه يهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي. وعند هذا الحد يفيض الإناء بما فيه، ويأخذ اليأس شكل كرة ثلج آخذة في التدحرج والانتفاخ. نقول: كرة ثلج، حتى لا نأتي على ذكر النار التي تولد من مستصغر الشرر!!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة