ليس أمرا مسليا ولا يدعو إلى الاعتزاز والفرحة ذلك الإقبال الغربي (الذي يوصف بأنه منقطع النظير) على الحناء واللباس التراثي والقهوة المرة، بل إنه يدعو إلى الغضب والخجل، فهذا الإصرار على تصوير تراث المجتمعات والدول الخليجية والعربية وكأنه سيرك يقدم عروضا للهجن والحناء والمشاهد المسلية والمدهشة للغربي يسيء إلى الحقيقة أولا وإلى المكانة والإنجازات العربية والخليجية.
المصارف البحرينية والتجارة الحرة في دبي، وشركات الاتصالات والشركات والمؤسسات النفطية في دول الخليج، والصناعات الغذائية في السعودية، وصناعة الأدوية في الأردن والكفاءات المهنية والجامعية في جميع الدول العربية (تقريبا) والجامعات والمدارس، والأجيال الجديدة من القادة ورجال الأعمال والطبقات الاجتماعية والمهنية، والتي تشكلت في الموجة الاقتصادية والتقنية الأخيرة لا تعبر عن وعيها لذاتها وفهمها لما تريد أن تكون عليه وما تتطلع إليه من خلال الصورة النمطية التي نقدمها عن أنفسنا وينتظرها منا الغرب، فليس ثمة عربي أو خليجي بتقديري يرغب أن يقدم نفسه وأن يعرفه الناس باعتباره جزءا من مشهد تاريخي عفا عليه الزمن أو أنه موضوع للفرجة والدهشة والتسلية.
بل إن المشاهد والمفردات التراثية التي تقدم اليوم في المعارضة وفي وسائل الإعلام تبدو غير مألوفة للعرب أنفسهم، ولم تعد موجودة في المدن وفي الحياة اليومية، ويكاد لا يسمع بها أو يعرفها سوى أقلية ضئيلة.
بالطبع ليست هذه المقالة دعوة إلى التخلي عن التراث العربي ولا التنكر له، ولكن يجب أن توضع المسائل في سياقها وهدفها الصحيح، فهي إن تحولت إلى تراث وجزء من التاريخ فيجب تقديمها كذلك وليست باعتبارها صورة العرب والخليجيين اليوم.
لم يعد مقبولا اليوم في عصر العولمة أن تظل صورة العرب في العالم هي حالة سابقة مضى عليها زمن طويل ولم تعد موجودة، وهي أيضا أثناء وجودها كانت جزءا من المشهد العربي ولم تكن الحضارة العربية مقتصرة عليها. فالمدن والموانئ والتجارة والمدارس والصناعات والحرف الممتدة على الخريطة العربية والموغلة في التاريخ والجغرافيا تمثل حلقة عالمية متداخلة وليست جزءا معزولا ومجهولا يحاول التعرف عليه السياح والمغامرون.
المسألة ليست قليلة الشأن ولا مجرد موقف من الكرامة والتراث والتاريخ، ولكنها متصلة بسؤال وجودي ومصيري أيضا، من نحن؟ وكيف نرى أنفسنا، وكيف نريد أن يرانا الآخر؟ ربما يحب الآخر أن يرانا مشهدا مسليا، ولكنا يجب أن ندفعه ليعرفنا كما الحقيقة وكما نريد أن يعرفنا، وهذا بالطبع يمتد إلى العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية ويؤثر عليها تأثيرا كبيرا وحاسما.
وفي مرحلة اقتصاد المعرفة اليوم فإن ما نقدمه عن أنفسنا وسلعنا وخدماتنا ومنتجاتنا يشكل قيمة اقتصادية حاسمة لأن السلعة أو الخدمة تكاد لا تكون قيمتها مرتبطة بذاتها ولكن بالفكرة المتشكلة عنها وبالثقة والعلامة التجارية، والمفزع في هذه المسألة أن الغرب يعرفنا تماما وإن كان يصر على رؤيتنا فقط من خلال الصحراء والجمال فذلك ليس عن جهل ولكن لأن تكريس هذه الصورة عن أنفسنا وفي العالم يعود بمكاسب/ خسائر تجارية كبرى على منتجاتنا وخدماتنا ومنتجاتهم وخدماتهم، ويزيد/ ينقص من قيمة السلع والخدمات والكفاءات المهنية، ففي اقتصاد المعرفة فإن الشركات تبيع اليوم الأفكار والخبرة والتنظيم والجودة والعلامة التجارية أكثر مما تبيع سلعا مادية ملموسة، وفي حالة كهذه كيف سينافس المصرفيون والأطباء والمدراء والمهندسون والأساتذة الجامعيون والمحامون والمستشارون في سوق عالمية ترى العربي أميا تائها في الصحراء ولا تعرف عنه سوى منجزات منقرضة لم يعد العربي نفسه يفهمها أو يعرف عنها شيئا، ولكن يبقى السؤال قائما: من نحن؟ وكيف نرى أنفسنا؟ وكيف نعي ذاتنا؟ وكيف نريد للآخر أن يرانا؟
جريدة الغد

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

ابراهيم غرايبة   جريدة الغد  صحافة