قبل نحو عام سعت الحكومة الى التخلص من بنود الدعم في الموازنة بأشكالها المختلفة بحجة أن سياسات الدعم تشكل تشوها كبيرا في موازنة الدولة، الأمر الذي كانت تضيق به المؤسسات الأممية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
وجاء قرار التخلص من الدعم، وتقبله المواطن وسط تأكيدات حكومية بأن استمرار هذه السياسات يؤخر التقدم الاقتصادي ويضاعف عجز الموازنة العامة.
وتوقع المواطن بعد هذه القرارات المصيرية والصعبة أن ترتاح الموازنة العامة ويتقلص العجز وحجم الموازنة العامة بمقدار الدعم الذي خصص لهذا البند في تلك السنوات بعد أن أصبح المواطن يتحمل كامل كلفة الدعم من جيبه الخاص.
لكن الواقع بات مختلفا فبدلا من أن يتقلص حجم الموازنة وجدنا أن الحكومة بنت موازنة توسعية للعام 2009 رغم تراجع الإنفاق على الدعم كما اتضح بعد التجربة أن العجز تفاقم بشكل صارخ رغم كل التضحيات التي قدمها المواطن.
أموال دعم المحروقات والمواد التموينية التي يتم الحديث حولها ليست قليلة حيث زادت خلال العام 2007 عن مبلغ 500 مليون دينار، وفي موازنة 2008 لم تدفع الخزينة فلسا واحدا لدعم المحروقات، وخفضت دعم المواد التموينية بشكل كبير.
وهنا تكمن المشكلة فتخلي الحكومة عن دعم المواشي والأعلاف منذ العام الماضي دفع العديد من أصحابها الى التخلص منها بسبب ارتفاع الكلفة وضعف مقدرتهم على توفير احتياجات تربية الأغنام، ما أضر بصغار المربين ودفعهم الى إعلان استسلامهم أمام الضغوط الكبيرة.
 إذن، السياسات المالية للحكومة لعبت هي الأخرى دورا في زيادة أسعار اللحوم، وزاد من تعقيد الأمر اتباع بعض المسلكيات التي يمارسها التجار في السوق والتي تساهم في زيادة الأسعار.
سياسات الإصلاح المالي التي انتهجتها الحكومة كان يفترض أن تحقق آثارا أفضل للاقتصاد، ولكن الواقع يؤكد أن نتائج هذه السياسات كانت إصلاحية بالاسم فقط وتوقفت عند حد شطب بند الدعم من الموازنة، فلا العجز قلّ ولا المديونية تضاءلت.
 ما قبل الدعم تراوح سعر كليو اللحم بين 5 و7 دنانير، أما اليوم فيصل الى 11 دينارا، أما عجز الموازنة قبل التخلص من الدعم فوصل خلال العام 2007 ما قيمته 615، فيما بلغ خلال العام 2008 ما قيمته 724 مليون دينار، وبحسب تصريحات المسؤولين يتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة لهذا العام مبلغ 1.1 بليون دينار، أي ضعف قيمته تقريبا في سنوات تقديم الدعم.
 أصوات كثيرة تعالت قبل سنوات حثت الحكومة على التخلص من الدعم، ودعمت التوجهات الحكومية الإصلاحية، باتجاه التخلص من عبئها الثقيل، على قاعدة أن الحكومة والموازنة تدفع ثمنا كبيرا لا تقدر عليه، بيد أن التجربة العملية أكدت أن المواطن هو من دفع ثمن الإصلاح.
 تحمل تبعات قرارات التخلص من الدعم كانت ممكنة لو كانت النتيجة تقليص عجز الموازنة والمديونية وتحسن المالية العامة، وأما أن تكون النتيجة الوحيدة الملموسة هي ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات وعلى رأسها اللحوم فهو أمر بحاجة الى مراجعة وتدقيق.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة