مع صدور عدد اليوم من الصحف سيكون المواطنون قد علموا بنتائج الانتخابات، وسنعرف ذلك معهم وتكون المقالات والتعليقات قد صدرت ولكنها كتبت قبل معرفة النتائج، وربما تكون هذه الحالة من أصعب ما يواجه كاتب التعليق، فهو لا يستطيع أن يتجاوز موضوع نتائج الانتخابات ولا يستطيع أيضا التعليق عليها، ولكنا جميعا الكتاب والقراء نبدو متفقين إلا إذا حملت الانتخابات مفاجآت على أن المجلس النيابي الخامس عشر لن يكون تغييرا كبيرا في التركيبة السياسية والقيادية في المجتمع والدولة، وهذا أمر له إيجابيات كثيرة بالطبع وليس سلبيا كما يبدو في التفكير والانطباع السائد.
ففي حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي يكون التغيير قليلا، ويفترض أن تعكس الانتخابات الحالة السياسية والاجتماعية والمصالح القائمة عشية الانتخابات، ونحتاج بالفعل إلى تقييم الحياة السياسية والاجتماعية تقييما تفصيليا نسبيا، لأنه لم يعد مفيدا أن نطلق أحكاما وتقييمات عامة حتى ولو كانت صحيحة، فالتقدم السياسي والاجتماعي في حالة كحالتنا يقع في شبكة التفاصيل الكثيرة والمعقدة، لأننا تجاوزنا مجموعة من القضايا الكبرى والعامة التي لا يجوز أن نبقى متوقفين عندها، فالانتخابات النيابية تجري بانتظام منذ عام 1989، وعادت الانتخابات البلدية بعد انقطاع قصير.
والانتخابات النقابية جارية أيضا بانتظام، ويفترض أن يتجه العمل الإصلاحي إلى ما بعد ذلك، ذلك أن التوقف عند المطالب العامة بالحريات والديمقراطية والمشاركة لا يفيد هذه القضايا ولا يخدم مطالب المواطنين وطموحاتهم.
نتوقع أن يكون المجلس رافعة سياسية واجتماعية تساعد الطبقات الوسطى للتعبير عن مصالحها والمشاركة في حراك النخب السياسية والاجتماعية، وربما يكون من المفيد أن نعيد النظر في مسألة الفصل بين النيابة والوزارة، فقد ثبت أن مشاركة النواب في الحكومات تفيد كثيرا برغم سلبياتها الأخرى الكثيرة أيضا في بعث حيوية القيادات السياسية والاجتماعية ويساعد في تشكيل مجموعات من قيادات الحكم والدولة الأكثر كفاءة مع تمتعها برصيد شعبي واجتماعي يمنح الحكومات مصداقية وقدرة على التفاعل مع المجتمعات ويقلل من عزلتها عن الناس.
نتمنى على المجلس أن يشتغل بالتشريعات المنظمة للضرائب والرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم ومكافحة الفساد وتطوير الإدارة العامة على النحو الذي يحقق العدالة والمشاركة ويتيح للمواطنين جميع المواطنين القدرة على الاستفادة من النفقات العامة وعلى نحو عادل، فما تزال النفقات العامة يذهب معظمها إلى أقلية من السكان، ولا تتمتع الأكثرية الكبرى من المواطنين بهذه الموارد التي تشارك فيها وتتحمل جزءا كبيرا توفيرها لخزينة الدولة.
وقد عكست توجيهات جلالة الملك بالالتفات إلى الطبقات الوسطى أهمية إعادة النظر في التشريعات والإدارة وتوزيع الموارد والنفقات على النحو الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويساعد هذه الطبقات على المشاركة في التنمية والاستفادة منها، وبخاصة أن الاقتصاد الأردني والعالمي أيضا يقوم اليوم على الكفاءات المهنية والمعارف التي يفترض أن تكون الطبقة الوسطى هي القاعدة الأساسية لتوفيرها وتطويرها، وأن تكون أيضا المصدر الأساسي لنمو هذه الكفاءات وحراكها باتجاه قيادة المجتمع والعملية الاقتصادية والإدارية.
مرة أخرى فإن القضايا والأهداف العامة تبدو متفقا عليها وقد يكون من التكرار والهدر أن نواصل الحديث عنها، ولكن المنتظر سواء بالنسبة للطبقة الوسطى أو الإصلاح بعامة هو إنجاز منظومة جديدة من السياسات والتقاليد والتشريعات والاستراتيجيات تكون على قدر من الإبداع يتجاوز معضلة دور الدولة الذي تجاوزه العالم ولا يدع المجتمعات والمواطنين تحت رحمة الشركات والقطاع الخاص، ولكنه نظام قائم على المشاركة والتنافس والصراع في آن واحد بين الحكومات وبين المجتمعات وبين الحكومات وبين الشركات وبين المجتمعات وبين الشركات، ليس قائما على التبرعات والعمل الخيري ولا الاحتكار والهيمنة ولكن على المشاركة في المصالح والاستثمارات والفرص والمسؤوليات.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد