منذ سنوات والأصوات تتعالى مطالبة بتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية كمصدر للإيرادات، وسط دعاوى تتوالي بضرورة البحث عن عن موارد مالية محلية بعيدا عن فرض ضرائب جديدة، نظرا للارتفاع الكبير في حجم العبء الضريبي مقارنة بمستوى المداخيل المتدني.
هذه الأصوات لم تنطلق من فراغ وقامت على إمكانية زيادة إيرادات الخزينة من خلال الاهتمام بمشاريع الطاقة البديلة واستثمار الموارد المحلية التي تسير ببطء يقتل الأمل باقتصاد أفضل مثل الغاز والصخر الزيتي واليورانيوم والنحاس.
ولم تعل النداءات المطالبة بتقليص الاعتماد على المنح من لا شيء، حيث ارتكزت على أهمية تشجيع الاستثمارات ذات القيمة المضافة التي تسهم بحل مشكلتي الفقر والبطالة وتحسن المستوى المعيشي للأفراد، إلا أن هذه الدعوات لم تلق استجابة ولم تسمع سوى صداها.
اليوم يبدو أن الواقع يحتم علينا التفكير بدعوة هؤلاء بعد أن بينت الأرقام الرسمية أن المنح للعام المقبل انخفضت بحوالي 505 ملايين عن تقديرات العام الحالي؛ حيث تراجعت المنح وصولا إلى 330 مليون دينار فيما قدرت في موازنة العام الحالي نحو 684 مليون دينار.
والمقصد أن الدول المانحة لن تستمر بتقديم مساعداتها للأردن حتى أجل غير مسمى، والتراجع الحاصل يؤكد أن يوما سيأتي وستكون المنح أقل منها الآن بكثير، رغم أن دولا مثل أميركا والاتحاد الأوروبي واليابان مستمرة في تقديم هذه المساعدات.
المشكلة في المنح أن الموازنة تبقى خاضعة لرغبات هذه الدول في تقديم المساعدات من عدمه، كما أنها تصبح عرضة للتبدل وعدم الاستقرار نتيجة سوء التقدير في حجم المساعدات المتوقعة، تماما كما حدث العام الحالي؛ حيث لم تتسلم الخزينة سوى مبالغ محدودة بلغت 103 ملايين دينار من أصل ما هو متوقع والمقدر بحوالي 430 مليون دينار.
آثار سلبية أخرى ينطوي عليها استمرار الاعتماد على المساعدات، تنجلي من خلال الخلط المقصود أو العفوي بين المنح والقروض؛ حيث تدمج أرقام وزارة التخطيط والتعاون الدولي بين هذين البندين، وتضعهما في البند نفسه وكأن الحصول على قروض يعد بذات الأهمية والتأثير مقارنة بالحصول على المنح.
حالة التخبط في إدارة ملف المساعدات تبدو جليّة وآخر تجلياتها تأخر وزارة التخطيط والتعاون الدولي في تقدير حجم المساعدات المتوقع الحصول عليها العام المقبل إلى ما بعد صدور بلاغ الموازنة العامة الذي تأخر بالصدور هو الآخر، ما اضطر وزارة المالية إلى تقديرها بنحو 435 مليون دينار، فيما تبين لاحقا أنها لا تتجاوز حدود 330 مليون دينار، الأمر الذي أربك مهندسي الموازنة العامة.
ولئن أراد صانع القرار تحقيق إنجاز حقيقي ومسبوق في مجال مصدر الإيرادات فإن ذلك يتطلب تقليل الأهمية التي تعطى للمنح كمصدر للمال لا سيما وأن توفرها يقعد الكثيرين عن العمل ويولد حالة من الاتكالية لدى بعض المسؤولين من أجل تقديم عمل حقيقي يعكس حجم الجهد المبذول.
كل هذا التخبط يأتي في ظل عدم ثبات قيمة المنح الخارجية، واعتماد ذلك على معايير غير ثابتة تبعا للأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم، إذ بلغت المنح خلال الفترة 2007 -2009 على التوالي 343، 739، 684 مليون دينار، بحسب ما ورد في مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي.
منذ عقود حصل الأردن على مساعدات ببلايين الدنانير ساعدت في تحسين مستوى الخدمات وبناء العديد من المشاريع، بيد أن الاتجاه العالمي يؤكد أن الدول المانحة لن تستمر في تقديم الدعم والمنح.
وفي ظل إعلان رئيس الوزراء قبل أيام نية الحكومة تقليص عدد المؤسسات الحكومية، فان الواقع يؤكد أن الغاية من وجود وزارة التخطيط والتعاون الدولي فقدت الكثير من مبرراتها، ما يستدعي دراسة جدوى بقاء هذه الوزارة من عدمه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة