يعرض كتاب "بردة النبي" دراسة روائية للتعليم الديني الشيعي في إيران في مرحلة ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979 من مدخلين اثنين، أحدهما باعتباره التعليم التقليدي المتبقي مما كان سائدا في العالم كله ونشأت عليه جامعات عريقة مثل كامبريدج وأكسفورد، وقدم للعالم علماء وفلاسفة مثل المسيحي توما الأكويني، والمسلم ابن رشد، واليهودي موسى بن ميمون، والمدخل الثاني وهو الأكثر شيوعا تأثير هذا التعليم على الثورة الإيرانية وعلى إيران بعد الثورة.
وفي عرضه لسيرة علي هاشمي، وهو اسم مستعار لشخص حقيقي نتعرف على النصوص التي تقرأ في الحوزات والمدارس الدينية في قم، وربما لا تكون سيرة هاشمي نمطية تعبر عن رجال الدين التقليديين في إيران، ولكن الكتاب يعكس ما قاله الإيرانيون أنفسهم للمؤلف.
ويبقى الكتاب برأي مؤلفه حكاية كل واحد منا في هذه المرحلة من التاريخ التي بدأ الدين يؤدي فيها دورا كبيرا في الحياة والسياسة والثقافية، بعد خيبة كبيرة من الحقبة القومية والاشتراكية والتغريب، لتتشكل نزعة مندفعة تبحث عن قيم الأصالة والتجذر، واستعادة وعي الذات.
كان سقوط الشاه يبدو حدثا يصعب تصديقه، وبدأت حقبة من حكم الملالي ورجال الدين، وكانت قم تبدو في مرحلة صعود العلمانية مكانا استثنائيا غريبا لم يعد ينتمي إلى الحاضر، يسميها بعضهم مدينة الموتى، وكان رجال الدين يقدمون خدمات للوعظ والجنائز والمناسبات تبدو للجيل الجديد الذي اكتسح الحياة السياسية والعامة وممن نشأ في المدارس والجامعات ذات النظام الغربي أمرا غريبا ولا يفيد في شيء.
لقد كان ظهور المدارس كمؤسسات نظامية لها مبانيها وإدارتها ومعلموها في القرن الحادي عشر الميلادي إنجازا متقدما في الحضارة العربية الإسلامية، كانت هذه المدارس تقدم دروسا نظامية ومنهجية في اللغة والنحو والمنطق والفقه والفلسفة والعلوم الإسلامية، وكان يعتقد مع قيام الدولة الحديثة أنها مرحلة انتهت في التعليم والحياة والسياسية، ولكن الثورة الإيرانية ثم صعود طالبان أكدت أنها مؤسسات باقية وفاعلة أيضا.
يقول راوي متحدة (مؤلف الكتاب) إن الحيرة ستصيب مؤرخ إيران في القرن العشرين بسبب موقع الدين الوطيد في الفئات الوسطى والدنيا المدينية مثلما أصابت قوة مكانة الدين مؤخرا في إنجلترا في أثناء الثورة الصناعية بالحيرة، إن من كان ينتقل من المناطق الريفية إلى المدن المصنعة جزئيا كان يظهر إما شعورا دينيا قويا أو كان يزدري الدين بصراحة، هذان النمطان من رد الفعل كان يمكن ملاحظتهما في إنجلترا في العصر الفيكتوري، وقد كتب فريدريك إنجلز عام 1844: نجد لدى الجماهير في كل مكان عدم اكتراث تام حيال الدين، وفي أفضل الأحوال أثرا من نزعة دينية لا تتعدى الخوف من كلمات معينة مثل كلمة "غير مؤمن" و"ملحد" وقد أكد الإحصاء الديني الذي أجري عام 1951 تحليل إنجلز، حيث ظهر أن صلة الطبقة العاملة بالكنسية أقل كثيرا من صلة الفئات المتوسطة والعليا.
وفي الأعوام 1976 – 1978 بدأت مواد أساسية كثيرة تنفد من السوق ويجد المواطنون صعوبة في الحصول عليها، فنزل مئات الآلاف من العمال وأبناء الفئات المتوسطة الدنيا في مظاهرات في الشوارع، ومع أنها كانت ثورة للجائعين والمستضعفين غير محددة الأهداف أو الأيديولوجيا فقد حصل هياج كبير تحول إلى موقف جماهيري كاسح هزم قوات نظام الشاه وأجبرته على الرحيل عن طهران ولم يرجع، كان هؤلاء الثوار يستلهمون ذكريات كربلاء وروح الحسين الباسلة في نفوسهم، وقال أحدهم في مقابلة مع أحد علماء الاجتماع ليس هناك من يوحدنا أكثر من حب الإمام الحسين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد