في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان "شيطانية الأسفار وخطأ الغرب التاريخي" يشارك فؤاد البطاينة في مناقشة الرواية التقليدية للتاريخ اليهودي في فلسطين والمستمدة من التوراة، والتي يجري التعامل معها عربيا وعالميا على أنها مسلمات تاريخية، ولكن البحوث والدراسات التاريخية المعاصرة التي أجراها باحثون وعلماء غربيون ويهود بالإضافة إلى الدراسات الآثارية وأعمال المسح والتنقيب للمنطقة على مدى أكثر من قرن ونصف من الزمان كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن الرواية السائدة عن التاريخ الإسرائيلي واليهودي لا أساس لها من الصحة.
ويعرض البطاينة نتائج الدراسات والمسوحات الأثرية الحديثة التي أجريت في فلسطين والتي توصلت إلى نتائج مختلفة تماما عن الرواية الإسرائيلية التوراتية، فتاريخ الهجرات السامية من الجزيرة العربية، والذي يشمل الكنعانيين وحضارات كل الشعوب والممالك والإمبراطوريات في وادي الرافدين وسورية، من عموريين وبابليين وآشوريين حتى السومريين، هذا التاريخ الممتد لأكثر من سبعة آلاف سنة أصبح متاحا اليوم كعلم بشواهده المادية، وأصبح من الضرورة إعادة كتابة تاريخ منطقة مهد الحضارات القديمة والأديان، بعد أن فشلت كل محاولات البحث عن دليل ما يؤيد أو يثبت مقولات التوراة والإسرائيليات التاريخية والدينية والعسكرية والاجتماعية في فلسطين ومصر والمنطقة العربية بأكملها، بل إنها عمليات كشفت عما يثبت عكسها ويزيح الستار عن التاريخ الفلسطيني الكنعاني الفينيقي العربي في فلسطين عوضا عن الإسرائيليات المزعومة.
وعن مصطلح "العبرانية" الذي ينتسب إليه اليهود الذين يزعمون بأنهم إسرائيليون وهم ليسوا كذلك يقول المؤلف بأنه مرتبط بجماعات سميت تاريخيا بجماعات العبيرو أو الهبيرو، وهي تسمية تطلق على الجماعات المرتبطة بالفقر والبداوة والغزو وقطع الطرق، وليس للتسمية علاقة باليهود، ويرى كثير من الباحثين أن تسمية العبراني في سفر التكوين تعني المهاجر أو السائح، وهناك توافق بين أكثرية الباحثين والمؤرخين على إن العبرية والعبرانيين مصطلح مشتق أو محرف من "العبيرو" و"الخبيرو" وهي كلمات ذات معنى واحد كصفة لنمط معيشة يطلق على مجموعات من القبائل المتصفة بالبداوة وسكنى الخيام وعدم الاستقرار.
يلاحظ البطاينة أن تسمية اليهود والعبرانيين جاءت بعد مئات السنين من التاريخ المفترض لدخول تلك الجماعة إلى فلسطين، وقد يكون هذا التشكل حدثا في فترة الحكم الفارسي في ظل الملك قورش الذي سمح لمن رغب من بني إسرائيل المهجرين إلى العراق بالعودة إلى فلسطين.
يقول عالم الاجتماع اليهودي آرثر روبين إن حالة النفي في العراق والرغبة في العودة شكلتا شعورا بالهوية لدى الإسرائيليين، ودفعتاهم إلى فكر الشريعة والوعد الإلهي بهدف الحفاظ على أنفسهم كعرق متمرد ومنطو على نفسه ويخاف من الضياع والذوبان، وكانت هذه الحالة برأي روبين الأساس للشريعة التي صاغها عزرا ونحميا في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم عُدلت ونقحت على مدى القرون التالية على النحو الذي يسمى اليوم تلمود بابل، وهكذا فإن عزرا هو المؤسس الحقيقي للديانة اليهودية.
وتنفي الرواية التاريخية المتشكلة اليوم حول الدراسات التاريخية والآثارية وجود أي مملكة إسرائيلية في فلسطين، فلم تشر المصادر التاريخية القديمة إلى مملكة أورشليم، والنتيجة التي يتبناها اليوم عدد من المؤرخين المهمين بأنه لا وجود لمملكة إسرائيل، ولا يوجد دليل على الديانة اليهودية بالوصف القائم اليوم قبل العام 135 ق.م.
وعلى الأرجح فإن مملكة إسرائيل هي حكم محلي قبلي قام تحت ظل الدول والممالك الرئيسة السائدة في ذلك الوقت مثل المصريين والآشوريين، وهو نظام في الحكم والإدارة ظل سائدا كما هو معروف حتى نهاية الدولة العثمانية.
وأما المشروع اليهودي الذي ظهر في أوروبا في القرن التاسع عشر فيقوم على اليهود المقيمين في أوروبا، وهم ينسبون إلى مملكة الخزر التي تلاشت على يد التحالف الروسي الاسكندنافي في القرن الثالث عشر الميلادي، وتظهر الدراسات أن يهود الخزر يشكلون أكثر من 95% ممن يعتبرون أنفسهم يهودا فهم من أصول غير سامية أو شرقية ولا علاقة لهم بفلسطين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد