يحلل بيترو غالبريث في كتابه "نهاية العراق" السياسات الأميركية في العراق منذ احتلاله عام 2003، ويلاحظ أنها تقود من فشل إلى فشل، وأنها بنيت على أفكار ومبررات غير واضحة، ولم يكن لدى الإدارة الأميركية خطط لما بعد الاحتلال، ولم تحشد القوات الكافية لتحقيق الاستقرار وحفظ النظام، وأنها بسبب ذلك وضعت العراق في حالة صعبة لم يعد يصلح الخروج منها بالعودة إلى ما كان عليه الحال من قبل فقد أصبح ذلك مستحيلا.
فمع الحرب الأهلية التي اندلعت وحالة الفوضى والسلب وعدم الاستقرار والنفوذ الإيراني وتزايد النزعة الاستقلالية الكردية لم يعد ثمة مخرج برأيه سوى تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة، لأنه لم يعد ممكنا الحفاظ على وحدة العراق إلا بالقوة وبتكاليف باهظة ومرهقة، ولكن التقسيم برأيه سيؤدي إلى نهاية النزاع وتحقيق الاستقرار وضمان المصالح الأميركية.
تقسيم العراق أصبح أمرا واقعا، فقد قسم العراق بالفعل إلى ثلاثة كيانات واضحة المعالم، فلقد انفصلت عنه كردستان في العام1991 ولن تعود، كما أسفرت الثورة الشيعية والحرب الأهلية التي بادر إليها السنة عن تجزئة العراق وفق خطوط طائفية، وقد أتاح الدستور الجديد لكل من شيعة العراق وسنته العرب تكوين مؤسسات حكم ذاتي خاصة بهم.
وبرأي غالبريث فإن التقسيم سيكون حلا للأزمة القائمة اليوم، فسوف يساعد ذلك برأيه على تطوير التنمية الاقتصادية في الجنوب، والإسهام في وضع حد للفوضى السائدة في الوسط العربي السني، وأما كردستان فلديها بالفعل حكومة إقليمية عاملة وقوة أمن، ويتضمن الدستور كذلك معادلة من شأنها حل القضايا المسببة للخلاف والكفيلة بتوسيع حرب العراق الأهلية، وهي الأراضي وتقاسم إيرادات النفط، والسيطرة على الحكومة الوطنية في بغداد.
وقد أكد الاستفتاء على دستور العراق في15 تشرين الأول من العام 2005 وانتخابات مجلس النواب على مدى الانقسامات في العراق، ومع اندلاع الحرب الأهلية باتت الهوة بين شيعة العراق وسنته تزداد اتساعا، وبدا واضحا برأي غالبريث أن الفيدرالية هي المخرج.
ولكنه تقسيم سيؤدي على الأغلب إلى كيان شيعي(دولة أو حكومة محلية ضمن فيدرالية) في الجنوب على النمط الإيراني، ودولة سنية يتنافس فيها البعثيون الجدد والإسلاميون، وأخرى كردية بقيادة الحزبين الرئيسيين المعروفين باسمي قائديهما، جلال الطالباني، ومسعود البرزاني.
وهكذا فإن المشروع الأميركي لغزو العراق واحتلاله سيؤول إلى تسليم نصف البلاد إلى حكومة دينية تابعة لإيران أو متحالفة معها، وتسعى إلى فرض حكم ديني شيعي على العراق كله، وليس هناك من ضمانات بأن حكومة إقليمية سنية ستكون قادرة على بسط سيطرتها على منطقتها، أو أنها ستكون قادرة على مجابهة المتمردين.
 
الموقف الأميركي مازال متمسكا بوحدة العراق، ولكنها وحدة برأيه لن تستمر إلا بالقوة، وتتناقض مع التطلعات المشروعة للطوائف والأقاليم العراقية، ويبدو مؤكدا أن استقلال كردستان هي مسألة وقت فقط، وليس ثمة ما يمنع الشيعة أيضا من إعلان دولتهم المستقلة، أو جعلها مستقلة أمرا واقعا دون أن يتم ذلك رسميا ودستوريا أي كما هو الحال في كردستان منذ عام1991.
وتبرر الإدارة الأميركية معارضتها للتقسيم بأنه سوف يهدد الاستقرار في العراق والمنطقة، ولكن غالبريث يعتقد بخطأ هذه الرؤية، فالحفاظ على وحدة العراق بالقوة هو الذي يزعزع استقراره، لأن ذلك يستلزم جيشا كبيرا وحكومة مستبدة، ويبدد النفط والموارد على النفقات العسكرية والأمنية، وكما فشلت الولايات المتحدة في إقامة عراق ديمقراطي فسوف تفشل في إقامة عراق موحد، ولذلك فإن المؤلف يقترح بدلا من ذلك أن تساعد الولايات المتحدة الأميركية الأقاليم العراقية على تطوير حكوماتها وقواتها الأمنية ومؤسسات العسكرية وإدارة مواردها، وباستقرار هذه الأقاليم فإن الولايات المتحدة سيكون بمقدورها الانسحاب وضمان مصالحها، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد