يتعرّض الصائم يومياً ، وعلى مدار شهر رمضان ، إلى آلاف النصائح التي تهلّ عليه من كلّ حدب وصوب ، ولا يكاد يترك الناصحون أمراً إلاّ وتدخّلوا به ، بدءاً من كمية الهواء المطلوبة للتنفّس ، وانتهاء بالمسافة الفاصلة بين الصوم والإفطار نتيجة نظرة لفتاة تسير في الشارع وهي تلبس الجينز.

آلاف الناصحين الذين يحمّرون عيونهم عليك ، وينهونك عن هذا ، ويأمرونك بذاك ، ففوق رأسك طبيب يؤكّد تحسّن إنزيمات الكبد في اليوم الثاني عشر من الصيام ، إذا شربت العصير بعد ساعة وربع من الإفطار ، وفي الشاشة شيخ يصرخ عليك محذّراً من تنظيف الأسنان لأنّ رائحة فم الصائم زكية حتى لو كانت نتنة ، ولا بدّ أن يكون هناك آلاف الأساتذة الذين أرشدوا تلاميذهم بأنّ القراءة فترة السحور ترسخ في الذهن فوراً.

فجأة يتحوّل كلّ من حولك ، من ناس وشاشات ومقالات ، إلى "أهل الفقه والمعرفة والفتوى" ، ويتحوّل معهم رمضان إلى ما يشبه فوضى المعلومات وتناقضها ، واللطيف أنّ الجميع ينهون نصائحهم بـ"والله أعلم" ، في إعلان صريح لإمكانية كبيرة للخطأ ، ومجرد ملء الوقت.

الله أعلم دائماً ، بالطبع ، فلنترك إذن هذا الضجيج حول الصحّ والخطأ للصائم بينه وبين نفسه ، فقد صار يعرف كلّ شيء وأكثر ، وقد فوجئت أمس بأنّ طبيباً مهمّاً نصح مريضاً إرتفع معه السكري إلى درجات قياسية بإستمرار الصوم ، في وقت أستمع فيه لطبيب على الشاشة يقدّم نصائحه لمرضى السكري بعدم الصوم ، وفي ظنّي أنّ الطبيب المهمّ على حقّ أكثر ، والله أعلم.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  باسم سكجها   جريدة الدستور