توفي مؤخرا ظاهر شاه آخر الملوك الأفغان من عائلة نادر شاه مؤسس أفغانستان الحديثة عام 1747، وقد حكم أفغانستان بين عامي 1933– 1973 عندما أطاح به انقلاب عسكري بقيادة ابن عمه وزوج أخته ورئيس الوزراء محمد داود، وقتل هذا الأخير عام 1978 في الانقلاب الشيوعي الذي توالى قتل قادته على يد الرفاق أنفسهم، بدأت بمقتل قائد الانفلاب نور تراقي على يد رفيقه حفيظ الله أمين، ثم قتل هذا على يد منافسه بابراك كارمل والذي اختفى بعدما أطاح به نجيب الله قائد الاستخبارات الأفغانية، وأعدم هذا على يد قوات طالبان عام1996، إنها أفغانستان مفتاح فهم العالم!
ربما تؤشر حالة ظاهر شاه وأفغانستان على الفوضى والتحولات العالمية، فقد تشكلت أفغانستان لتكون دولة عازلة بين قوى إقليمية كبيرة ودول استعمارية جديدة زاحفة إلى المنطقة، الصين والهند(ثم باكستان) وإيران وروسيا(ثم الاتحاد السوفيتي) وبريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية، وكان استقلال هذه البقعة الجغرافية يشكل توازنا دقيقا بين الدول والقوى العظمى، واقتطع ممر واخان الإستراتيجي الذي كان تابعا للصين ليضم إلى هذه الدولة الصغيرة المحايدة ليكون معبرا دوليا محايدا، وليعطيها شكلا متميزا يبدو على الخريطة مثل عنق إوزة وحالة شاذة ومختلفة في شكل الدول.
ولكن الجغرافيا يتغير معناها بتغير الأفكار والتقنيات والموارد، فهذا التوازن الدقيق بين القوى العالمية الذي كانت تشكله أفغانستان بقيادة عائلة نادر شاه لم يعد مهما أو لم يعد كما هو، وكان أول مؤشر على هذا التحول هو الهزيمة الأميركية في فيتنام والذي أطلق على نحو ما الثورة الإيرانية والثورة الأفغانية الشيوعية والاحتلال السوفيتي لأفغانستان في حركة هي كسر لقاعدة استقرت مئات السنين، وهكذا فقد دفع ظاهر شاه ثمن المرحلة، أو كما قال كارلوس بعد اعتقاله في السودان وتسليمه إلى فرنسا عام1992 ردا على سؤال حول تخلي الرفاق عنه: المرحلة هي التي تخلت عني، وعندما استعادت الولايات المتحدة الأميركيبة المبادرة واستعادت النفوذ على أفغانستان دعت ظاهر شاه بعد ثلاثين سنة قضاها في المنفى في إيطاليا ليعيش في كابل، لكن الزمن أقوى من الإستراتيجيات فقد كان شيخا كبيرا غير قادر على الحكم والقيادة، ولكنها حركة بالغة الرمزية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية مفادها أنها تستعيد الحالة التي كانت قبل فيتنام وأنها انتصرت، لكنه الانتصار الذي يؤدي إلى الخسارة، إغواء القوة الجبارة الغالبة بالمغامرة والمقامرة أيضا.
ولد ظاهر شاه عام1914، وتلقى العلوم العسكرية في فرنسا قبل أن يعود إلى أفغانستان ليتولى عدة وزارات في عهد والده الملك محمد نادر شاه، وبعد حادثة الاغتيال التي تعرض لها والده عام 1933 اختير ملكا على أفغانستان وعمره آنذاك19 عاما، لكن الحكم الفعلي كان في يد اثنين من أعمامه هما محمد هاشم وشاه محمود اللذان حكما البلاد حكما دكتاتوريا لعدة سنوات.
كانت سياسة الحياد بين بريطانيا وروسيا وبين الدول المحيطة بأفغانستان هي سر قيام واستمرار أفغانستان، ولكن النشاط الشيوعي المتزايد في أفغانستان والتقارب مع روسيا من قبل بسبب السياسات التوسعية للإمبراطورية البريطانية والتي أدت إلى معارك شرسة بين أفغانستان وبريطانيا، وأبيد الجيش البريطاني والمكون من عشرين ألف مقاتل في إحدى المعارك ولم ينج منه أحد ما جعل أفغانستان طوال القرن العشرين في حالة من عدم الاستقرار، فخلع الملك أمان الله خان، ثم قتل نادر شاه، وتوالت الفوضى في حالة عدم الاتفاق إلا على أن تظل أفغانستان دولة فقيرة معزولة.
وهكذا فإنه إغواء القوة نفسه يتكرر في أفغانستان، بريطانيا ثم الاتحاد السوفيتي ثم الولايات المتحدة، وقد حاول نادر شاه من قبل أن ينشئ إمبراطورية تشمل الهند وإيران، فأثبتوا جميعا أن الجغرافيا ومنطقها أقوى من الجيوش والدول وأن الزمن أقوى من الجغرافيا، وأن العالم هو الفضاء وليس الأرض والجبال، وأن القوة والازدهار والتقدم والاستقرار والرفاه مستمد من الانسجام بين هذه العناصر الثلاثة الزمن والفضاء والإنسان، وأن الفضاء يستمد قوته من الله.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد