اليوم ونحن في هذا الظرف الصعب، والحديث عن عجز الموازنة والمديونية يتصدر عناوين الصحف، نتطلع إلى الأدوات المتاحة للحكومة لتقويم جزء من الخلل، حيث نجد أن السياسة المالية في واد والنقدية في واد آخر، والخطط الحكومية في واد ثالث.
الصورة العامة تكشف أن أقطاب السياسة الاقتصادية متنافرة، وكل قطب يفكر بشكل أحادي من دون أخذ الصالح العام بعين الاعتبار، فالسياسة النقدية متصلبة وتضعف السياسة المالية، كونها لا تلجأ لقرارات تنعكس على الأخيرة إيجابا من خلال تخفيض أسعار الفائدة على الدينار والعكس صحيح.
بالنسبة للسياسة النقدية، يظهر جليا أن القرارات الأربعة التي اتخذها المركزي خلال الفترة الماضية والقاضية بتخفيض أسعار الفائدة، لم تحدث تغييرا ملموسا في أداء الاقتصاد، وكان الأجدى استخدام أسلوب الصدمة؛ بتخفيض أسعار الفائدة دفعة واحدة، بمعدل يساوي مجموع التخفيض الذي حققته القرارات الأربعة مرة واحدة.
واليوم ونحن ما نزال على أبواب العام 2010، الذي توقعنا أن يكون صعبا بامتياز منذ الربع الأخير من العام الماضي، نرى أن الفرصة موجودة للخروج من المأزق الحالي من خلال توفير جو إيجابي تخلقه الحكومة التي أشبعتنا لطما أكثر من المستثمرين من خلال التركيز على المشروعات المهمة والفرصة المتاحة في الأردن.
الاقتراح السابق ليس تنظيرا؛ بل أمر ممكن تحقيقه من خلال التركيز على المشروعات الضخمة التي تسعى الحكومة لتنفيذها واهتمت بها لدرجة عينت لها وزيرا خاصا يحمل لقب وزير المشروعات الكبرى.
التركيز على المشاريع الضخمة واستخدام جميع السبل لجذب مستثمرين ضروري، بخاصة وأنها مشاريع ذات جدوى اقتصادية، شريطة توفر الجدية في تنفيذها، والمضي في ترجمتها لجعلها واقعا لا مجرد أفكار ومخططات على الورق.
فغياب الإيمان بأهمية المشاريع، والتوقف كثيرا عند معيقات تشييدها، يضعف الأمل بإقامتها، بحيث تمر عقود ونحن نتكلم عن مشروعات بعضها بدأنا الحديث عنه منذ عقود، ولم يدق مسمار واحد في أرضه أو يبنى مدماك منه إلى اليوم.
كثيرة هي المشاريع التي سمعنا عنها قبل سنوات طويلة وما نزال نحلم بها، ليس أولها مشروع توسعة الميناء، وجر مياه الديسة، ومشروع التوسعة الرابع لمصفاة البترول، والقطار الخفيف، وليس آخرها شبكة السكك الحديد.
التغيير المطلوب لتحقيق الإنجازات بحاجة إلى وقفة مراجعة حقيقية لكل ما جرى وما سيجري، لتجاوز العثرات التي أعاقت تنفيذ هذه المشاريع، وتسببت بتأخير كلفته الباهظة التي يدفعها الاقتصاد والمواطن معا، والخاسر الأكبر من مماطلة بعض المسؤولين هو الاقتصاد المحدود الموارد والذي يحتاج هذه المشاريع ليكون أكثر جذبا.
إلى جانب المشاريع الكبرى، لا بد من معالجة الانحراف في السياستين المالية والنقدية؛ خصوصا وأن التخفيف من المشاكل الكبيرة يحتاج إلى مراجعة تضع أسسا واضحة لهاتين السياستين، بحيث تخدمان الاقتصاد والمشاريع الكبرى وليس العكس.
فالخروج من الأزمة بحاجة إلى نظرة شاملة لهاتين السياستين، لتدعم كل منهما الأخرى، وتتشابك المصالح بين القائمين عليهما لتكون مصلحة الاقتصاد ومتانته هي الرابط بين جميع القرارات والتوجهات، وليس التنافس والتفكير الأحادي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة