"كيف ذهب نفطنا إلى آبارهم؟" ربما تعبر هذه النكته عن أبعد من شعور أميركي بضرورة الاستيلاء على مصادر الطاقة والهيمنة عليها، فالطاقة والتنافس عليها والسعي لتحصيلها يغير كل شيء في العلاقات الدولية والاقتصاد والتقنية أيضا، حتى إن إندور هيترمان وإيفان سولومون يريان المستقبل هو الطاقة، أو بعبارة أدق فإن عنوان كتابهما يعبر عن حلول الطاقة في المستقبل "fueling the future"، هل ستغرق الولايات المتحدة في النفط؟ إن حربها في العراق وسياساتها تجاه إيران وروسيا وآسيا الوسطى وبحر قزوين في سعيها للسيطرة على النفط ربما تسوقها بالفعل إلى الغرق فيه.
يتقصى إيان رتليدج في كتابه "العطش إلى النفط، ماذا تفعل أميركا بالعالم لضمان أمنها النفطي" مدى ارتباط الاقتصاد الأميركي ونمط الحياة فيها باستهلاك النفط بسياسة الولايات المتحدة واقتصادها ومجتمعها، وهذا ما يجعل النفط والطلب عليه عامل تأثير مهما في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ومرجعية تفكيرها وخططها الإستراتيجية العالمية والإقليمية.
حالة التنافس والندرة النفطية المتوقعة يمكن أن تدفع بالولايات المتحدة إلى تحالفات ومغامرات جديدة مختلفة عن السياق السابق، فقد تزايد اعتماد العالم على النفط، ووجدت الأمم الصناعية نفسها معتمدة على نظام اقتصادي مبني على افتراض أن النمو أمر طبيعي ولازم، وأنه يمكن أن يستمر إلى الأبد، ولكن هذا الافتراض يوشك أن يتهاوى الآن، فالدلائل تتراكم بسرعة على أن الوفرة النفطية قد انتهت.
وفي حالة التحول إلى مصادر بديلة للطاقة فإن المجتمعات الصناعية بحاجة إلى إعادة صياغة وتصميم، وسيحتاج ذلك إلى استثمارات هائلة، ويميل كثير من الناس إلى افتراض أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لنضوب النفط ستكون أكثر ضررا وخطرا على الأميركيين من غيرهم على الأقل في المستقبل القريب، فقد ساعد النفط الولايات المتحدة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين على أن تكون أغنى وأقوى دولة في العالم.
كيف ستكون استجابة العالم لنضوب موارد الطاقة في العقود المقبلة؟ من الإجابات الممكنة على هذا السؤال ستكون احتدام الصراع والتنافس على ما تبقى من موارد، فالمفهوم القائل بأن ندرة الموارد تؤدي في الغالب إلى احتدام التنافس له أساس راسخ، وعليه الكثير من الشواهد الموثقة.
وقد نشبت في السنوات القليلة الماضية صراعات دموية بسبب الموارد في مناطق مختلفة من العالم، مثل إقليم أتشيه في إندونيسيا، وتشاد، ودارفور وجنوب السودان، ونيجيريا، وفنزويلا، والجزائر، وكولومبيا، وبابوا غينيا، والقائمة طويلة جدا، ولكن ربما تكون العراق أوضح الأمثلة على حروب النفط.
ومن الحروب والصراعات المحتملة هي ما يقع بين الأمم الغنية بالموارد، لأن الجماعات المتنافسة ستتبارى فيما بينها للفوز بحصة من الثروة، وقد درات صراعات وحروب أهلية حول الموارد القابلة للتصدير في أنغولا والكونغو وميانمار والبيرو وكمبوديا، ويحتمل أن تنشب صراعات أهلية على موارد الطاقة في العراق وكولومبيا.
وعندما يحصل شح في الموارد يصبح الصراع فيما بين المستهلكين أكثر احتمالا، فقد ذهبت ألمانيا إلى الحرب مرتين في القرن العشرين للحصول على مستعمرات لها وأراض وموارد للطاقة، والصين اليوم هي ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، وسيأتي وقت تكون كمية النفط فيه غير كافية لتلبية طلب الأمتين معا، وسيكون الصراع بينها محتملا.
وربما تكون هذه الحالة مدخلا للتفكير في مستقبل إيران في السياسة العالمية والإقليمية، فمهما كان رأي الغرب في إيران فإنها أحد اللاعبين المهمين والرئيسيين في إدارة الطاقة، وربما يجد العالم نفسه وبخاصة روسيا والصين وأوروبا بحاجة إلى مراجعة اللعبة الأميركية ووقفها أيضا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد