لم تشفع الأهمية البالغة التي تحوز عليها فكرة المناطق التنموية، في تسريع وتيرة العمل بمنطقة البحر الميت التي أعلنت منطقة تنموية منذ نحو عام؛ إذ ما تزال الأمور في تلك المنطقة تراوح مكانها من دون التقدم ولو بخطوة واحدة للأمام.
ويظهر أن فكرة المناطق التنموية لم تتبلور بعد في ذهن المنفذين لها والقائمين عليها، والدلالات كثيرة على أنهم يتعاملون مع الفكرة بالفطرة من دون أية مخططات أو دراسات أو حتى رؤية واضحة ومحددة تقود لتحقيق التنمية الشاملة التي تضمن بعضا من العدالة في توزيع المكتسبات.
ما يحدث في البحر الميت يقدم دليلا صارخا على عشوائية العمل وغياب التخطيط، إذ تؤكد المعلومات أن العمل فيها متعطل منذ إطلاقها في أيار (مايو) الماضي، الأمر الذي يهدد برحيل جميع المستثمرين الراغبين بإنشاء مشاريع لهم في تلك المنطقة.
بعض المستثمرين شكوا من تعطل وتوقف أعمالهم لأشهر طويلة من دون أن تقدم لهم أية وعود بجعل أفكارهم واقعا.
ورغم أن عددا منهم جلب بضعة ملايين هي تحويشة العمر بهدف الاستثمار، إلا أنهم لم يجدوا شيئا من كلام المسؤولين حول بيئة الأعمال الجاذبة للاستثمار، ولم تقدم لهم أية تسهيلات أو حتى تطمينات حول جدية الشعارات التي ترفعها المؤسسات الاستثمارية ودورها في خدمة المستثمرين والسهر على راحتهم من أجل تسهيل أعمالهم وتيسيرها.
بل على العكس تماما، فإن أصحاب رؤوس الأموال ارتطموا بالعديد من المعيقات، وأوصدت الأبواب في وجوههم، ما يؤكد أن الكثير من المبادرات المحلية غير جادة وتسعى وراء البريق الإعلامي من دون إحداث تغيير يذكر.
مبررات تأخر العمل في البحر الميت تتعلق بعدم وجود مخطط شمولي إلى اليوم، رغم مضي أشهر طويلة على إعلانها منطقة تنموية، وما يزال على المستثمر الانتظار أربعة أشهر أخرى لحين الانتهاء من المخطط الذي يتم إعداده.
وأكثر من ذلك، أن مساحات واسعة من الأراضي الموجودة في تلك البقعة، كانت منحت في الماضي لمستثمرين ومتنفذين، لم يبنوا فيها مدماكا واحدا ولم يستثمروا فلسا واحدا، وظلت الأمور معلقة بينهم وبين الجهات الرسمية التي تسعى لاستعادة الأرض حتى الآن.
فمن قال إن من حق المسؤولين التحكم بالمستثمرين وبأموالهم؟ وما هو النموذج الذي نسعى لتقديمه من خلال التعامل باستهتار مع المستثمرين والتقليل من شأنهم؟ رغم أنهم جاؤوا إلينا من أجل إقامة استثمارات في بقعة ترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة ليسهموا بالتخفيف من هذه المشاكل.
ما يجري في منطقة البحر الميت التنموية يقدم أنموذجا صارخا على الطريقة التي تدار بها الأمور من انعدام التخطيط، والافتقار للإيمان بأهمية الاستثمار، كسبيل وحيد لحل المشاكل الاقتصادية المستعصية بعيدا عن زيادة المديونية والعجز وصندوق المعونة الوطنية.
ويعكس ما يحدث في البحر الميت، اللامبالاة الرسمية في تطبيق تجربة المناطق التنموية التي عولنا عليها كثيرا حينما انطلقت من أجل تحقيق أهداف سامية وعليا تسهم في معالجة عيوب سياسات اقتصادية مورست على مدى سنوات ماضية وأخفقت في توزيع مكتسبات التنمية.
فكرة المناطق التنموية رائدة ومهمة ويجب أن لا تضيع نتيجة إهمال البعض وتراخي البعض الآخر، وإعادة تقييم التجربة ضرورة قبل أن تجابه بالفشل بالذريع، لنعود مرة أخرى إلى إطلاق مبادرات جديدة تجدد الأمل بتحقيق التنمية المستدامة التي فشلنا عقودا في إحداثها. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جمانة غنيمات  صحافة