متابعة الصحافة اليومية تظهر وكأن الانتخابات البلدية والنيابية القادمة مسألة تخص جماعات الحفاظ على البوم المرقط، وربما كانت الانتخابات الفرنسية أكثر أهمية وحضورا في الصحافة ووسائل الإعلام، فهل تعكس الصحافة واقعا قائما أم أنها مقصرة في تغطية الانتخابات ومعالجتها؟
هل يفترض أن تأتي الأخبار والموضوعات إلى الصحف أم يجب أن تحرك الصحافة القضية وتحيلها إلى شغل شاغل للمرشحين والناخبين، البرامج الانتخابية والمرشحون والأحزاب والتنافس، بل والقضايا التفصيلية في المدن والبلدات من الخدمات والتطلعات والمشكلات التي تواجه المجتمعات والبلديات؟ حتى الإعلانات الانتخابية تبدو فاترة وكأنها غير ذات جدوى.
وبالطبع فإن المقولة هذه لا يجوز أن تقلل من حجم الاهتمام والجهد الذي تبذله وسائل الإعلام، ولحسن الحظ فإن عمليات البحث في الإنترنت تظهر بوضوح ودقة مدى تغطية وسائل الإعلام للموضوع، وربما أعود لتحليل وملاحظة المعالجة الإعلامية للانتخابات، ولكن الفكرة الأساسية أن الصحافة يجب أن تحرك العملية الانتخابية وتدفع بها باتجاه التنشيط والتنافس في الأفكار والبرامج، وأن تجتذب ملاحظات المواطنين والناخبين وشكاواهم وأفكارهم ومقترحاتهم، وأن ترصد الظواهر والتجاوزات والإيجابيات والسلبيات، وهي في ذلك كله يجب أن تكون مبادرة، وتنشئ القضايا والأحداث، ولا تنتظر تشكلها ووقوعها لتركض وراءها، ولكنها قادرة إن أرادت على وضع مسار مستقبلي للتفاعل والعمل والنشاط وحتى الإعلان التجاري، فهي مسائل لا تأتي تلقائيا بالضرورة.
تستطيع الصحف ووسائل الإعلام أن تفرد ملاحق وبرامج خاصة بالانتخابات تعمل في الاتجاهات الجغرافية والموضوعية والإعلانية، وتلتقي جميع اللاعبين في العملية الانتخابية، من المرشحين والناخبين والناشطين والمؤسسات والمعلنين والموردين للخدمات، وتثير القضايا الغائية والحاضرة، وتستفز الحكومة والمجتمعات والقطاع الخاص، باختصار فإنها قادرة ومطلوب منها أن تقود النشاط والتفاعل الانتخابي، لأنها الأقدر على ذلك، ولأنها حلقة الوصل والتنسيق بين الحكومة والمجتمعات والأحزاب والقطاع الخاص والتي تجعل من عمل هذه الأطراف وحراكها منظومة انتخابية إبداعية.
والكتاب والمعلقون والمراسلون الصحافيون يفترض أن تشغلهم التجمعات والأنشطة والظواهر المتعلقة بالانتخابات، هل يحضرون على سبيل المثال اللقاءات غير الرسمية التي تنظم في الروابط والمنازل للمرشحين والعائلات والبلدات؟ هل يفكرون للمجتمع والناس في الآفاق والآمال الجديدة والممكنة للانتخابات مما يعود على تحسين حياة المواطنين ومشاركتهم العامة؟ هل يساعدون الرأي العام في مراقبة العملية الانتخابية وتقييمها وتطويرها؟ هل يعرضون البرامج والأهداف الممكنة للانتخابات ويناقشونها مع القراء والمرشحين والناشطين؟ هل يبحثون عن الإنجازات الممكنة والواقعية التي نحتاج أن نصل إليها بعد الانتخابات؟ هل يعرضون المشكلات وجوانب الإنجاز والقصور في البلديات، سواء في الرؤية الموضوعية أو الجغرافية أو التاريخية؟
لم تعد الكتابة والمعالجة الصحافية عملا معزولا ورتيبا، وإذا استمرت عزلتنا (الصحافيين والكتاب) عن الناس ومظنة وصايتنا عليهم وقدرتنا على كتابة وتقديم أي شيء، وإذا لم نتعلم من الناس ما يمكن أن نفكر فيه ونبحث عنه ونكتب حوله فسنجد أنفسنا في موقع بعيد ومتخلف عن حراك المجتمعات والأجيال ووعيها أيضا، وربما نفقد عملنا ومصادر كسبنا، لأنه في الوقت الذي تعود الصحافة غير مهمة للناس وليست مصدرا للحصول على المعلومة والمعرفة والخدمات فإنهم سوف يستغنون عنها، وفي الوقت الذي لا يضيف الكتاب والصحافيون إلى صحفهم أدوات وموارد لانتشارها وزيادة أهميتها فإنهم يصبحون زائدين على الحاجة، صحيح أن الصحافة ماتزال تستقطب قدرا كبيرا من الإعلانات التجارية وأن مواردها الإعلانية في ازدياد، ولكن يجب ملاحظة أنها زيادة مستمدة من النشاط الاقتصادي والتسويقي، ويبقى السؤال الأساسي عن مساهمة الصحافة نفسها في إنشاء الأسواق والأفكار والاتجاهات وليس استجابتها للموجة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد