تصدر الكتب متأخرة عن وسائل الإعلام، فتبدو وكأنها تناقش موضوعا قديما نسبيا، ولكن ليست وظيفة الكتب أن توفر التغطية الإعلامية للحدث، وإنما توفر للقارئ رؤية أكثر هدوءا وعمقا من الصحافة، وقد أشرت في المقالة التي نشرت في 7/5/2007 إلى كتاب إسرائيلي عن الحرب، وربما يكون هذا الكتاب الذي يجمع مقالات ودراسات كتبها محللون وضباط عسكريون وأكاديميون إسرائيليون في أثناء الحرب أو بعدها بقليل فرصة لفهم التحولات الإسرائيلية.
وقد يجد الكثير من العرب في هذه المراجعات والاعترافات أدلة صحيحة ليصلوا إلى نتيجة مفادها ضعف إسرائيل وهزيمتها، ولكنها بالتأكيد دراسات ورؤى تعكس شجاعة وقدرة على الاستفادة من الأخطاء وتصحيحها، وإذا كان من درس يجب تعلمه منهم فهو أن الاعتراف بالخطأ وتشخيصه بالإضافة إلى أنه يعبر عن شجاعة وديناميكية وقدرة على التطوير والتعلم، فالفشل يهب الفهم.
وفقد أسقطت هذه الحرب مجموعة من المفاهيم الإستراتيجية السابقة التي ربما تغير مستقبل الحروب في العالم، ومنها مفهوم نقل المعركة إلى أرض العدو، واحتلال أرض والتمسك بها كورقة مساومة، وحسم المعركة بالسرعة الممكنة من خلال استخدام القوة النارية الجبارة.
وتمضي تداعيات الحرب على لبنان إلى فلسطين وحماس فيعتقد مارك هيلر، المدير السابق لمركز يافا للدراسات الإستراتيجية، أن الحرب في لبنان كانت لها تداعيات وتأثيرات على حماس في فلسطين ومستقبلها، قد تؤدي إلى إضعافها أو تشجيعها على تغيير منهجها وأفكارها.
ومن الواضح أن الحرب حملت تأثيرات وتداعيات عميقة وكشفت عن تحولات خطيرة في الحروب والمفاهيم تتجاوز إسرائيل إلى العالم أيضا، فالردع الذي بقي الإستراتيجية الإسرائيلية الرئيسية ظهر أنه ليس رؤية شاملة في إدارة وحل الصراعات، وفي كثير من الحالات فإن إستراتيجية الردع قد تنجح لفترة زمنية محددة فقط، لكنها لا تشكل بديلا عن التسويات السياسية.
ما الجديد والمختلف في هذه الحرب؟ كان هذا السؤال موضوعا لدراسات وتحليلات عدة، وقد أخطأت التقديرات العسكرية الإسرائيلية بظنها أن حزب الله قد ضعف بسبب الانسحاب السوري من لبنان، وأخطأ نصر الله وحزب الله أيضا في تقدير الموقف، وربما يكون وضع حزب الله بالنسبة لإيران قد تراجع.
وكان من النتائج الراسخة للحرب استحالة إمكانية القضاء على حزب الله، وربما يكون الحل برأي وزير الدفاع بيرتس، ويؤيده في ذلك الجنرال ديفد كمحي، هو في عقد سلام مع لبنان، أو معاودة الاتصال بقوى وشخصيات مسيحية لبنانية مثل ميشال عون.
قد أنشأت الحرب معضلة كبيرة تجب مواجهتها، إذ لم يعد مؤكدا أن إسرائيل قادرة على الاستمرار في تحمل الخسائر وفي تماسك الجبهة الداخلية، وربما تلخص مقالة أوري شافيط المحلل في صحيفة هآرتس التداعيات السياسية للحرب، فيقول تحت عنوان "ماذا حل بنا؟" أن السياسة والمال والإعلام والأكاديميات أعمت عيون إسرائيل وسلبت روحها، ويقول إن النخب الإسرائيلية السياسية قد انقطعت نهائيا عن الواقع، وقد أدت أوهامها المتكررة حول واقعها التاريخي الذي تعيشه إلى ضياعها وفقدان الطريق والاتجاه الصحيح، فالوعي المتشكل أشبه بالهذيان المحموم بالاستهلاك المسعور والتبرير المزيف.
ويصف جدعون ليفي الكاتب، في صحيفة هآرتس الجيش الإسرائيلي، بأنه ظهر مثل زعران الحارات، فهذه الحرب لا يمكن اعتبارها "حربا لا مفر منها" ولكنها حرب تهدف بالأساس إلى استعادة كرامة ضائعة تحت مسمى "استعادة قوة الردع"، ولذلك لا يعرف أحد ما الذي يعتبر انتصارا أو إنجازا، ويتساءل ليفي: هل نقاتل ضد لبنان أو حزب الله؟ لا أحد يعرف الصحيح، وإذا كان الهدف هو إبعاد حزب الله عن الحدود الإسرائيلية فهل جربت الطرق السياسية في أثناء الفترة الماضية؟ وما العلاقة بين تدمير نصف لبنان وبين هذا الهدف؟ وهل استعيدت القوة الردعية؟
ويعتقد أليكس فيشمان أن الخطة السياسية الوحيدة التي ترسم خط إنهاء الأزمة تقوم على إعادة الجنود الإسرائيليين المخطوفين ووقف القصف على الأراضي الإسرائيلية، ووقف العمليات العسكرية في لبنان وانسحاب إسرائيلي من غزة، وتحرير الوزراء والنواب الفلسطينيين من حركة حماس، ولكن حزب الله وحماس لا يتعاونان مع هذه المبادئ من دون مقابل، ومن دون موافقتهما سيكون صعبا التوصل إلى اتفاق. فما العمل؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد